الفصل الخامس - علل الأحكام وغيرها:



الفصل الخامس - علل الأحكام وغيرها:

وفيه ستّ عشرة موضوعاً



الأوّل - الأحكام

1 - الشيخ الصدوق ؛ : حدّثنا عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس النيسابوريّ العطّار بنيسابور في شعبان، سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة قال: حدّثني أبو الحسن عليّ بن محمّد بن قتيبة النيسابوريّ قال: قال أبو محمّد الفضل بن شاذان النيسابوريّ، وحدّثنا الحاكم أبو محمّد جعفر بن نعيم بن شاذان، عن عمّه أبي عبد اللّه محمّد بن شاذان قال: قال الفضل بن شاذان:

إن سأل سائل فقال: أخبرني هل يجوز أن يكلّف الحكيم عبده فعلاً من الأفاعيل لغير علّة ولا معني؟

قيل له: لا يجوز ذلك، لأنّه حكيم غير عابث ولا جاهل.

فإن قال [قائل ]: فأخبرني لم كلّف الخلق؟ قيل: لعلل كثيرة.

فإن قال [قائل ]: فأخبرني عن تلك العلل، معروفة موجودة هي؟ أم غير معروفة ولا موجودة؟ قيل: بل معروفة موجودة عند أهلها.

فإن قال: أتعرفونها أنتم أم لا تعرفونها؟ قيل لهم: منها ما نعرفه، ومنها مالانعرفه.

فإن قال [قائل ]: فما أوّل الفرائض؟ قيل له: الإقرار باللّه وبرسوله وحجّته، وبما جاء من عند اللّه عزّوجلّ.

فإن قال [قائل ]: لم أمر الخلق بالإقرار باللّه وبرسله وبحججه، وبما جاء من عند اللّه عزّوجلّ؟ - قيل: لعلل كثيرة.

منها: أنّ من لم يقرّ با للّه عزّوجلّ، لم يجتنب معاصيه، ولم ينته عن ارتكاب ( في المصدر: ولم يجتنب، وما أثبتناه عن علل الشرائع. )

الكبائر، ولم يراقب أحداً فيما يشتهي ويستلذّ عن الفساد والظلم، وإذا فعل الناس هذه الأشياء، وارتكب كلّ إنسان ما يشتهي ويهواه من غير مراقبة لأحد، كان في ذلك فساد الخلق أجمعين، ووثوب بعضهم علي بعض، فغصبوا الفروج والأموال، وأباحوا الدماء والنساء، وقتل بعضهم بعضاً من حقّ ولا جرم، فيكون في ذلك خراب الدنيا وهلاك الخلق، وفساد الحرث والنسل.

ومنها: أنّ اللّه عزّوجلّ حكيم، ولا يكون الحكيم ولا يوصف بالحكمة إلّا الذي يحظر الفساد، ويأمر بالصلاح، ويزجر عن الظلم، وينهي عن الفواحش، ولا يكون حظر الفساد، والأمر بالصلاح، والنهي عن الفواحش إلّا بعد الإقرار باللّه عزّوجلّ، ومعرفة الآمر والناهي، ولو ترك الناس بغير إقرار باللّه عزّوجلّ ولا معرفته، لم يثبت أمر بصلاح ولا نهي عن فساد، إذ لا آمر ولا ناهي.

ومنها: أنّا وجدنا الخلق قد يفسدون بأُمور باطنة مستورة عن الخلق، فلولا الإقرار باللّه، وخشيته بالغيب، لم يكن أحد إذا خلا بشهوته وإرادته يراقب أحداً في ترك معصية، وانتهاك حرمة، وارتكاب كبيرة، إذا كان فعله ذلك مستوراً عن الخلق، غير مراقب لأحد، فكان يكون في ذلك خلاف الخلق أجمعين، فلم يكن قوام الخلق وصلاحهم إلّا بالإقرار منهم بعليم خبير، يعلم السرّ وأخفي، آمر بالصلاح، ناه عن الفساد، ولا تخفي عليه خافية، ليكون في ذلك انزجار لهم عمّا يخلون من أنواع الفساد.

فإن قال [قائل ]: فلم وجب عليهم معرفة الرسل والإقرار بهم، والإذعان لهم بالطاعة؟

قيل: لأنّه لمّا أن لم يكن في خلقهم وقواهم مايكملون به مصالحهم، وكان الصانع متعالياً عن أن يري، وكان ضعفهم وعجزهم عن إدراكه ظاهراً، لم يكن بدّ لهم من رسول بينه وبينهم معصوم يؤدّي إليهم أمره ونهيه وأدبه، ويقفهم علي ما يكون به اجترار منافعهم ومضارّهم، فلو لم يجب عليهم معرفته وطاعته، لم يكن لهم في مجي ء الرسول منفعة، ولا سدّ حاجة، ولكان يكون إتيانه عبثاً لغير منفعة وصلاح، وليس هذا من صفة الحكيم الذي أتقن كلّ شي ء.

فإن قال [قائل ]: فلم جعل أُولي الأمر، وأمر بطاعتهم؟

قيل: لعلل كثيرة: منها: أنّ الخلق لمّا وقفوا علي حدّ محدود، وأمروا أن لا يتعدّوا ذلك الحدّ لما فيه من فسادهم لم يكن يثبت ذلك، ولا يقوم إلّا بأن يجعل عليهم فيه أميناً يمنعهم من التعدّي والدخول فيما حظر عليهم، لأنّه لو لم يكن ذلك لكان أحد لا يترك لذّته ومنفعته لفساد غيره، فجعل قيّماً يمنعهم من الفساد، ويقيم فيهم الحدود والأحكام.

ومنها: أنّا لا نجد فرقة من الفرق، ولا ملّة من الملل بقوا وعاشوا إلّا بقيّم ورئيس، ولمّا لا بدّ لهم منه في أمر الدين والدنيا، فلم يجز في حكمة الحكيم أن يترك الخلق ممّا يعلم أنّه لا بدّ له منه، ولا قوام لهم إلّا به، فيقاتلون به عدوّهم، ويقسمون فيئهم، ويقيم لهم جمهم وجماعتهم، ويمنع ظالمهم من مظلومهم.

ومنها: أنّه لو لم يجعل لهم إماماً قيّماً أميناً، حافظاً مستودعاً، لدرست الملّة، وذهب الدين، وغيّرت السنن والأحكام، ولزاد فيه المبتدعون، ونقص منه الملحدون، وشبّهوا ذلك علي المسلمين، لأنّا وجدنا الخلق منقوصين محتاجين، غير كاملين مع اختلافهم واختلاف أهوائهم، وتشتّت أنحاءهم، فلو لم يجعل لهم قيّماً حافظاً، لما جاء به الرسول ( صلي الله عليه وآله وسلم ) ، لفسدوا نحو ما بيّنّا، وغيّرت الشرائع والسنن، والأحكام والإيمان، وكان في ذلك فساد الخلق أجمعين.

فإن قال [قائل ]: فلِمَ لا يجوز أن لا يكون في الأرض إمامان في وقت واحد وأكثر من ذلك؟ قيل: لعلل:

منها: أنّ الواحد يختلف فعله وتدبيره، والإثنين لا يتّفق فعلهما وتدبيرهما، وذلك أنّا لم نجد إثنين إلّا مختلفي الهمم والإرادة، فإذا كانا إثنين ثمّ اختلفت هممهما، وإرادتهما وتدبيرهما، وكانا كلاهما مفترضي الطاعة، لم يكن أحدهما أولي بالطاعة من صاحبه، فكان يكون في ذلك اختلاف الخلق، والتشاجر والفساد، ثمّ لا يكون أحد مطيعاً لأحدهما إلّا وهو عاص للآخر، فتعمّ معصية أهل الأرض، ثمّ لا يكون لهم مع ذلك، السبيل إلي الطاعة والإيمان، ويكونون إنّما أتوا في ذلك من قبل الصانع الذي وضع لهم باب الاختلاف والتشاجر والفساد، إذ أمرهم باتّباع المختلفين.

ومنها: أنّه لو كانا إمامين لكان لكلّ من الخصمين أن يدعو إلي غير الذي يدعو إليه صاحبه في الحكومة، ثمّ لا يكون أحدهما أولي بأن يتّبع صاحبه، فيبطل الحقوق والأحكام والحدود.

ومنها: أنّه لا يكون واحد من الحجّتين أولي بالنطق والحكم، والأمر والنهي من الآخر، وإذا كان هذا كذلك، وجب عليهما أن يبتديا بالكلام، وليس لأحدهما أن يسبق صاحبه بشي ء إذا كانا في الإمامة شرعاً واحداً، فإن جاز لأحدهما السكوت جاز السكوت للآخر، وإذا جاز لهما السكوت بطلت الحقوق والأحكام، وعطّلت الحدود، وصار الناس كأنّهم لا إمام لهم.

فإن قال [قائل ]: فلِمَ لا يجوز أن يكون الإمام من غير جنس ال رسول ( صلي الله عليه وآله وسلم ) ؟ قيل: لعلل:

منها: أنّه لمّا كان الإمام مفترض الطاعة، لم يكن بدّ من دلالة تدلّ عليه، ويتميّزه بها من غيره، وهي القرابة المشهورة، والوصيّة الظاهرة، ليعرف من غيره، ويهتدي إليه بعينه.

ومنها: أنّه لو جاز في غير جنس الرسول، لكان قد فضّل من ليس برسول علي الرسل، إذ جعل أولاد الرسول أتباعاً لأولاد أعدائه، كأبي جهل وابن أبي معيط، لأنّه قد يجوز بزعمهم أن ينتقل في أولادهم إذا كانوا مؤمنين، فيصير أولاد الرسول تابعين، وأولاد أعداء اللّه وأعداء رسوله متبوعين، فكان الرسول أولي بهذه الفضيلة من غيره وأحقّ.

ومنها: أنّ الخلق إذا أقرّوا للرسول بالرسالة، وأذعنوا له بالطاعة، لم يتكبّر أحد منهم عن أن يتّبع ولده، ويطيع ذرّيّته، ولم يتعاظم ذلك في أنفس الناس، وإذا كان ذلك في غير جنس الرسول كان كلّ واحد في نفسه أنّهم أولي به من غيره، ودخلهم من الكبر، ولم تسنح أنفسهم بالطاعة لمن هو عندهم دونهم، فكان يكون ذلك داعية لهم إلي الفساد والنفاق والاختلاف.

فإن قال [قائل ]: فلم وجب عليهم الإقرار والمعرفة، بأنّ اللّه واحد أحد؟

قيل: لعلل:

منها: أنّه لو لم يجب عليهم الإقرار والمعرفة، لجاز لهم أن يتوهّموا مدبرين، أوأكثر من ذلك، وإذا جاز ذلك لم يهتدوا إلي الصانع لهم من غيره، لأنّ كلّ إنسان منهم كان لا يدري، لأنّه إنّما يعبد غير الذي خلقه، ويطيع غير الذي أمره، فلا يكونون علي حقيقة من صانعهم وخالقهم، ولا يثبت عندهم أمر آمر، ولانهي ناه، إذاً لا يعرف الآمر بعينه، ولا الناهي من غيره.

ومنها: أنّه لو جاز أن يكون إثنين، لم يكن أحد الشريكين أولي بأن يعبد، ويطاع من الآخر، وفي إجازة أن يطاع ذلك الشريك إجازة أن لا يطاع اللّه، وفي إجازة أن لا يطاع اللّه كفر باللّه، وبجميع كتبه ورسله، وإثبات كلّ باطل وترك كلّ حقّ، وتحليل كلّ حرام، وتحريم كلّ حلال، والدخول في كلّ معصية، والخروج من كلّ طاعة، وإباحة كلّ فساد، وإبطال كلّ حقّ.

ومنها: أنّه لو جاز أن يكون أكثر من واحد، لجاز لإبليس أن يدّعي أنّه ذلك الآخر، حتّي يضادّ اللّه تعالي في جميع حكمه، ويصرف العباد إلي نفسه، فيكون في ذلك أعظم الكفر، وأشدّ النفاق.

فإن قال [قائل ]: فلِمَ وجب عليهم الإقرار باللّه بأنّه ليس كمثله شي ء؟

قيل: لعلل: منها: أن لا يكونوا قاصدين نحوه بالعبادة والطاعة دون غيره، غير مشتبه عليهم أمر ربّهم، وصانعهم ورازقهم.

ومنها: أنّهم لولا يعلموا أنّه ليس كمثله شي ء، لم يدروا لعلّ ربّهم وصانعهم هذه الأصنام التي نصبها لهم آباؤهم، والشمس والقمر والنيّران، إذا كان جائزاً أن يكون عليهم مشتبه، وكان يكون في ذلك الفساد، وترك طاعاته كلّها، وارتكاب معاصيه كلّها، علي قدر ما يتناهي إليهم من أخبار هذه الأرباب، وأمرها ونهيها.

ومنها: أنّه لو لم يجب عليهم أن يعرفوا أن ليس كمثله شي ء، لجاز عندهم أن يجري عليه ما يجري علي المخلوقين، من العجز والجهل، والتغيير والزوال، والفناء والكذب والاعتداء، ومن جازت عليه هذه الأشياء لم يؤمن فناءه، ولم يوثق بعدله، ولم يحقّق قوله، وأمره ونهيه، ووعده ووعيده، وثوابه وعقابه، وفي ذلك فساد الخلق، وإبطال الربوبيّة.

فإن قال [قائل ]: لم أمر اللّه العباد ونهاهم؟

قيل: لأنّه لا يكون بقاؤهم وصلاحهم إلّا بالأمر والنهي، والمنع من الفساد، والتغاصب.

فإن قال [قائل ]: فلِمَ تعبّدهم؟

قيل: لئلّا يكونوا ناسين لذكره، ولا تاركين لأدبه، ولا لاهين عن أمره ونهيه إذإ؛آاااااااااظظ كان فيه صلاحهم وقوامهم، فلو تركوا بغير تعبّد لطال عليهم الأمد فقست قلوبهم.

فإن قال [قائل ]: فلم أمروا بالصلاة؟

قيل: لأنّ في الصلاة الإقرار بالربوبيّة، وهو صلاح عامّ، لأنّ فيه خلع الأنداد، والقيام بين يدي الجبّار، بالذلّ والاستكانة، والخضوع والخشوع، والإعتراف وطلب الإقالة من سالف الذنوب، ووضع الجبهة علي الأرض كلّ يوم وليلة، ليكون العبد ذاكراً للّه، غير ناس له، ويكون خاشعاً وجلاً، متذلّلاً طالباً، راغباً في الزيادة للدين والدنيا، مع ما فيه من الإنزجار عن الفساد، وصار ذلك عليه في كلّ يوم وليلة، لئلّا ينسي العبد مدبّره وخالقه، فيبطر ويطغي، وليكون في طاعة خالقه، والقيام بين يدي ربّه، زاجراً له عن المعاصي، وحاجزاً ومانعاً له عن أنواع الفساد.

فإن قال [قائل ]: فلِمَ أمروا بالوضوء وبدأ به؟

قيل له: لأن يكون العبد طاهراً إذا قام بين يدي الجبّار، وعند مناجاته إيّاه، مطيعاً له فيما أمره، نقيّاً من الأدناس والنجاسة مع ما فيه من ذهاب الكسل، وطرد النعاس، وتزكية الفؤاد، للقيام بين يدي الجبّار.

فإن قال [قائل ]: فلِمَ وجب ذلك علي الوجه واليدين، والرأس والرجلين؟

قيل: لأنّ العبد إذا قام بين يدي الجبّار فإنّما ينكشف عن جوارحه، ويظهر ماوجب فيه الوضوء، وذلك بأنّه بوجهه يسجد ويخضع، وبيده يسأل ويرغب، ويرهب ويتبتّل وينسك، وبرأسه يستقبل في ركوعه وسجوده، وبرجليه يقوم ويقعد.

فإن قال [قائل ]: فلم وجب الغسل علي الوجه واليدين، وجعل المسح علي الرأس والرجلين، ولم يجعل ذلك غسلاً كلّه، أو مسحاً كلّه؟

قيل: لعلل شتّي:

منها: أنّ العبادة العظمي إنّما هي الركوع والسجود، وإنّما يكون الركوع والسجود بالوجه واليدين، لا بالرأس والرجلين.

ومنها: أنّ الخلق لا يطيقون في كلّ وقت غسل الرأس والرجلين، ويشتدّ ذلك عليهم في البرد والسفر والمرض، وأوقات من الليل والنهار، وغسل الوجه واليدين أخفّ من غسل الرأس والرجلين، وإذاً وضعت الفرائض علي قدر أقلّ طاقة من أهل الصحّة، ثمّ عمّ فيها القويّ والضعيف.

ومنها: أنّ الرأس والرجلين ليس هما في كلّ وقت باديان ظاهران، كالوجه واليدين لموضع العمامة والخفّين وغير ذلك.

فإن قال [قائل ]: فلِمَ وجب الوضوء ممّا خرج من الطرفين خاصّة، ومن النوم دون سائر الأشياء؟

قيل: لأنّ الطرفين هما طريق النجاسة، وليس للإنسان طريق تصيبه النجاسة من نفسه إلّا منهما، فأمروا بالطهارة عند ما تصيبهم تلك النجاسة من أنفسهم، وأمّا النوم فلأنّ النائم إذا غلب عليه النوم يفتح كلّ شي ء منه واسترخي، فكان أغلب الأشياء عليه في الخروج منه الريح، فوجب عليه الوضوء لهذه العلّة.

فإن قال [قائل ]: فلِمَ لم يأمروا بالغسل من هذه النجاسة، كما أمروا بالغسل من الجنابة؟

قيل: لأنّ هذا شي ء دائم غير ممكن للخلق الاغتسال منه كلّما يصيب ذلك، ( لَايُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) ، والجنابة ليست هي أمر دائم، إنّما ( البقرة: 286/2. )

هي شهوة تصيبها إذا أراد، ويمكنه تعجيلها وتأخيرها الأيّام الثلاثة، والأقلّ والأكثر، وليس ذلك هكذا.

فإن قال [قائل ]: فلِمَ أمروا بالغسل من الجنابة، ولم يؤمروا بالغسل من الخلا، وهو أنجس من الجنابة وأقذر؟

قيل: من أجل أنّ الجنابة من نفس الإنسان، وهو شي ء يخرج من جميع جسده، والخلا ليس هو من نفس الإنسان، إنّما هو غذاء يدخل من باب ويخرج من باب.

فإن قال [قائل ]: أخبرني عن الأذان، لِمَ أمروا؟

قيل: لعلل كثيرة: منها: أن يكون تذكيراً للساهي، وتنبيهاً للغافل، وتعريفاً لمن جهل الوقت، واشتغل عن الصلاة، وليكون ذلك داعياً إلي عبادة الخالق، مرغّباً فيها، مقرّاً له بالتوحيد، مجاهراً بالإيمان، معلناً بالإسلام، مؤذناً لمن نسيها، وإنّما يقال: مؤذّن لأنّه يؤذّن بالصلاة.

فإن قال [قائل ]: فلِمَ بدأ بالتكبير قبل التهليل؟

قيل: لأنّه أراد أن يبدأ بذكره واسمه، لأنّ اسم اللّه تعالي في التكبير في أوّل الحرف، وفي التهليل اسم اللّه في آخر الحرف، فبدء بالحرف الذي اسم اللّه في أوّله، لا في آخره.

فإن قال [قائل ]: فلِمَ جعل مَثني مَثني؟

قيل: لأن يكون مكرّراً في آذان المستمعين، مؤكّداً عليهم، إن سهي أحد عن الأوّل لم يسه عن الثاني، ولأنّ الصلاة ركعتان ركعتان، ولذلك جعل الأذان مَثني مَثني.

فإن قال [قائل ]: فلِمَ جعل التكبير في أوّل الأذان أربعاً؟

قيل: لأنّ أوّل الأذان إنّما يبدأ غفلة، وليس قبله كلام ينبه المستمع، فجعل ذلك تنبيهاً للمستمعين لما بعده في الأذان.

فإن قال [قائل ]: فلِمَ جعل بعد التكبير شهادتين؟

قيل: لأنّ أوّل الإيمان إنّما هو التوحيد، والإقرار للّه عزّوجلّ بالوحدانيّة، والثاني الإقرار للرسول بالرسالة، وإنّ طاعتهما ومعرفتهما مقرونتان، وإنّ أصل الإيمان إنّما هو الشهادة، فجعل الشهادتين في الأذان، كما جعل في سائر الحقوق شهادتين، فإذا أقرّ للّه تعالي بالوحدانيّة، والإقرار للرسول بالرسالة، فقد أقرّ بجملة الإيمان، لأنّ أصل الإيمان إنّما هو الإقرار باللّه وبرسوله.

فإن قال [قائل ]: فلِمَ جعل بعد الشهادتين الدعاء إلي الصلاة؟

قيل: لأنّ الأذان إنّما وضع لموضع الصلاة، وإنّما هو النداء إلي الصلاة، فجعل النداء إلي الصلاة في وسط الأذان، فقدّم المؤذّن قبلها أربعاً، التكبيرتين والشهادتين، وأخّر بعدها أربعاً يدعوا إلي الفلاح، حثّاً علي البرّ والصلاة، ثمّ دعا إلي خير العمل، مرغّباً فيها، وفي عملها، وفي أدائها، ثمّ نادي بالتكبير والتهليل، ليتمّ بعدها أربعاً، كما أتمّ قبلها أربعاً، وليختم كلامه بذكر اللّه، كما فتحه بذكر اللّه تعالي.

فإن قال [قائل ]: فلِمَ جعل آخرها التهليل، ولم يجعل آخرها التكبير، كما جعل في أوّلها التكبير؟

قيل: لأنّ التهليل اسم اللّه في آخره، فأحبّ اللّه تعالي أن يختم الكلام باسمه، كما فتحه باسمه.

فإن قال [قائل ]: فلِمَ لم يجعل بدل التهليل التسبيح والتحميد، واسم اللّه في آخرهما؟

قيل: لأنّ التهليل هو إقرار للّه تعالي بالتوحيد، وخلع الأنداد من دون اللّه، وهو أوّل الإيمان، وأعظم من التسبيح والتحميد.

فإن قال: فلِمَ بدأ في الاستفتاح والركوع والسجود، والقيام والقعود، بالتكبير؟

قيل: لعلّة التي ذكرناها في الأذان.

فإن قال: فلِمَ جعل الدعاء في الركعة الأُولي قبل القراءة، ولِمَ جعل في ركعة الثانية القنوت بعد القراءة؟

قيل: لأنّه أحبّ أن يفتح قيامه لربّه، وعبادته بالتحميد والتقديس، والرغبة والرهبة، ويختمه بمثل ذلك، وليكون في القيام عند القنوت أطول، فأحري أن يدرك المدرك الركوع، ولا يفقه الركعة في الجماعة.

فإن قال: فلِمَ أمروا بالقراءة في الصلاة؟

قيل: لئلّا يكون القراءة مهجوراً مضيعاً، وليكون محفوظاً، فلا يضمحلّ ولايجهل.

فإن قال: فلِمَ بدء بالحمد في كلّ قراءة دون سائر السور؟

قيل: لأنّه ليس شي ء في القرآن والكلام جمع فيه جوامع الخير والحكمة، ماجمع في سورة الحمد؛ وذلك أنّ قوله تعالي: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ ) إنّما هو أداء لما أوجب اللّه تعالي علي خلقه من الشكر، وشكره لما وفّق عبده للخير، ( رَبِ ّ الْعَلَمِينَ ) تمجيد له، وتحميد وإقرار، وأنّه هو الخالق المالك، لا غيره، ( الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) استعطاف وذكر لآلائه ونعمائه علي جميع خلقه، ( مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) إقرار له بالبعث والنشور، والحساب والمجازات، وإيجاب له ملك الآخرة، كما أوجب له ملك الدنيا؛ ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ) رغبة وتقرّب إلي اللّه عزّوجلّ، وإخلاص بالعمل له دون غيره، ( وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) استزادة من توفيقه وعبادته، واستدامة لما أنعم اللّه عليه وبصّره، ( اهْدِنَا الصِّرَطَ الْمُسْتَقِيمَ ) إسترشاد لأدبه، واعتصام بحبله، واستزادة في المعرفة بربّه، وبعظمته وبكبريائه؛

( صِرَطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ) توكيد في السؤال والرغبة، وذكر لما تقدّم من أياديه ونعمه علي أوليائه، ورغبة في مثل تلك النعم، ( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ) استعاذة من أن يكون من المعاندين الكافرين، المستخفّين به وبأمره ونهيه، ( وَلَا الضَّآلِّينَ ) إعتصام من أن يكون ( الحمد: 1/1 - 7. )

من الضالّين الذين ضلّوا عن سبيله من غير معرفة، ( وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) ، فقد اجتمع فيه من جوامع الخير والحكمة، في أمر ( الكهف: 104/18. )

الآخرة والدنيا، ما لا يجمعه شي ء من الأشياء.

فإن قال: فلِمَ جعل التسبيح في الركوع والسجود؟ قيل: لعلل:

منها: أن يكون العبد مع خضوعه وخشوعه، وتعبّده وتورّعه، واستكانته وتذللّه، وتواضعه وتقرّبه إلي ربّه، مقدّساً له، ممجّداً، مسبّحاً، مطيعاً، معظّماً، شاكراً لخالقه ورازقه، فلا يذهب به الفكر والأمانيّ إلي غير اللّه.

فإن قال: فلِمَ جعل أصل الصلاة ركعتين، ولِمَ زِيد علي بعضها ركعة، وعلي بعضها ركعتان، ولم يزد بعضها شي ء؟

قيل: لأنّ أصل الصلاة إنّما هي ركعة واحدة، لأنّ أصل العدد واحد، فإن نقصت من واحدة، فليست هي صلاة، فعلم اللّه عزّوجلّ، أنّ العباد لا يؤدّون تلك الركعة الواحدة التي لا صلاة أقلّ منها بكمالها وتمامها، والإقبال عليها، فقرن إليها ركعة أُخري ليتمّ بالثانية ما نقص من الأولي، ففرض عزّوجلّ أصل الصلاة ركعتين، ثمّ علم رسول اللّه ( صلي الله عليه وآله وسلم ) أنّ العباد لا يؤدّون هاتين الركعتين بتمام ما أمروا به وكماله، فضمّ إلي الظهر والعصر، والعشاء الآخرة، ركعتين ركعتين، ليكون فيها تمام الركعتين الأوليين، ثمّ إنّه علم أنّ صلاة المغرب يكون شغل الناس في وقتها أكثر للانصراف إلي الإفطار، والأكل والشرب، والوضوء والتهيّة للمبيت، فزاد فيها ركعة واحدة ليكون أخفّ عليهم، ولأن تصير ركعات الصلاة في اليوم والليلة فرداً، ثمّ ترك الغداة علي حالها، لأنّ الإشتغال في وقتها أكثر، والمبادرة إلي الحوائج فيها أعمّ، ولأنّ القلوب فيها أخلي من الفكر، لقلّة معاملات الناس بالليل، ولقلّة الأخذ والإعطاء، فالإنسان فيها أقبل علي صلاته منه في غيرها من الصلوات، لأنّ الفكر أقلّ، لعدم العمل من الليل.

فإن قال: فلِمَ جعلت التكبير في الاستفتاح سبع تكبيرات؟

قيل إنّما جعل ذلك، لأنّ التكبير في الركعة الأولي التي هي الأصل، سبع تكبيرات، تكبيرة الاستفتاح، وتكبيرة الركوع، وتكبيرتان للسجود، وتكبيرة أيضاً للركوع، وتكبيرتان للسجود، فإذا كبّر الإنسان أوّل الصلاة سبع تكبيرات، فقد أحرز التكبير كلّه، فإن سهي في شي ء منها، أو تركها، لم يدخل عليه نقص في صلاته.

فإن قال: فلِمَ جعل ركعة وسجدتين؟

قيل: لأنّ الركوع من فعل القيام، والسجود من فعل القعود، وصلاة القاعد علي النصف من صلاة القائم، فضوعف السجود ليستوي بالركوع، فلا يكون بينهما تفاوت، لأنّ الصلاة إنّما هي ركوع وسجود.

فإن قال: فلِمَ جعل التشهّد بعد الركعتين؟

قيل: لأنّه - كما تقدّم - قبل الركوع والسجود الأذان، والدعاء، والقراءة، فكذلك أيضا أمر بعدها التشهّد، والتحميد، والدعاء.

فإن قال: فلِمَ جعل التسليم تحليل الصلاة، ولم يجعل بدله تكبيراً، أوتسبيحاً، أو ضرباً آخر؟

قيل: لأنّه لمّا كان في الدخول في الصلاة تحريم الكلام للمخلوقين، والتوجّه إلي الخالق، كان تحليلها كلام المخلوقين، والانتقال عنها، وإبتداء المخلوقين في الكلام إنّما هو بالتسليم.

فإن قال: فلِمَ جعل القراءة في الركعتين الأوليين، والتسبيح في الأخيرتين؟

قيل: للفرق بين ما فرض اللّه عزّوجلّ من عنده، وما فرضه من عند رسوله.

فإن قال: فلِمَ جعل الجماعة؟

قيل: لئلّا يكون الإخلاص والتوحيد، والإسلام والعبادة للّه، إلّا ظاهراً مكشوفاً مشهوراً، لأنّ في إظهاره حجّة علي أهل الشرق والغرب للّه وحده عزّوجلّ، وليكون المنافق والمستخفّ مؤدّياً لما أقرّ به بظاهر الإسلام والمراقبة، وليكون شهادات الناس بالإسلام بعضهم لبعض جائزة ممكنة، مع ما فيه من المساعدة علي البرّ والتقوي، والزَبَد عن كثير من معاصي اللّه عزّوجلّ.

فإن قال: فلِمَ جعل الجهر في بعض الصلوات، ولم يجعل في بعض؟

قيل: لأنّ الصلاة التي يجهر فيها، إنّما هي صلاة تصلّي في أوقات مظلمة، فوجب أن يجهر فيها، لإن يمرّ المارّ، فيعلم أنّ هيهنا جماعة، فإذا أراد أن يصلّي صلّي، ولأنّه إن لم ير جماعة تصلّي، سمع وعلم ذلك من جهة السماع، والصلاتان اللتان لا يجهر فيهما، فإنّما هما بالنهار، وفي أوقات مضيئة، فهي تدرك من جهة الرؤية، فلا يحتاج فيها إلي السماع.

فإن قال: فلِمَ جعل الصلاة في هذه الأوقات، ولم تقدّم، ولم تؤخّر؟

قيل: لأنّ الأوقات المشهورة المعلومة التي تعمّ أهل الأرض، فيعرفها الجاهل والعالم، أربعة، غروب الشمس معروف مشهور، يجب عنده المغرب، وسقوط الشفق مشهور معلوم، يجب عنده العشاء الآخرة، وطلوع الفجر مشهور معلوم، يجب عنده الغداة، وزوال الشمس مشهور معلوم، يجب عنده الظهر، ولم يكن للعصر وقت معلوم مشهور مثل هذه الأوقات، فجعل وقتها عند الفراغ من الصلاة التي قبلها.

وعلّة أُخري أنّ اللّه عزّوجلّ أحبّ أن يبدأ الناس في كلّ عمل أوّلاً بطاعته وعبادته، فأمرهم أوّل النهار أن يبدؤا بعبادته، ثمّ ينتشروا فيما أحبّوا من مرمّة دنياهم، فأوجب صلاة الغداة عليهم، فإذا كان نصف النهار، وتركوا ما كانوا فيه من الشغل، وهو وقت يضع فيه ثيابهم، ويستريحون، ويشتغلون بطعامهم، وقيلولتهم، فأمرهم أن يبدؤا أوّلاً بذكره وعبادته، فأوجب عليهم الظهر، ثمّ يتفرّغوا لما أحبّوا من ذلك، فإذا قضوا وطرهم، وأرادوا الانتشار في العمل لآخر النهار، بدؤا أيضاً بطاعته، ثمّ صاروا إلي ما أحبّوا من ذلك، فما وجب عليهم، العصر ثمّ ينتشرون فيما شاؤا من مرمّة دنياهم، فإذا جاء الليل، ووضعوا زينتهم، وعادوا إلي أوطانهم، ابتدؤا أوّلاً بعبادة ربّهم، ثمّ يتفرّغون لما أحبّوا من ذلك، فأوجب عليهم المغرب، فإذا جاء وقت النوم، وفرغوا ممّا كانوا به مشتغلين، أحبّ أن يبدؤا أوّلاً بعبادته وطاعته، ثمّ يصيرون إلي ما شاؤا أن يصيروا إليه من ذلك، فيكونوا قد بدؤا في كلّ عمل بطاعته وعبادته، فأوجب عليهم العتمة، فإذا فعلوا ذلك لم ينسوه، ولم يغفلوا عنه، ولم تقس قلوبهم، ولم تقلّ رغبتهم.

فإن قال: فلِمَ إذا لم يكن للعصر وقت مشهور، مثل تلك الأوقات، أوجبها بين الظهر والمغرب، ولم يوجبها بين العتمة والغداة، وبين الغداة والظهر؟

قيل: لأنّه ليس وقت علي الناس أخفّ، ولا أيسر، ولا أحري، أن يعمّ فيه الضعيف والقويّ بهذه الصلاة، من هذا الوقت، وذلك أنّ الناس عامّتهم يشتغلون في أوّل النهار بالتجارات والمعاملات، والذهاب في الحوائج، وإقامة الأسواق، فأراد أن لا يشغلهم عن طلب معاشهم، ومصلحة دنياهم، وليس يقدر الخلق كلّهم علي قيام الليل، ولا يشعرون به، ولا ينتبهون لوقته لو كان واجباً، ولا يمكنهم ذلك، فخفّف اللّه عنهم، ولم يجعلها في أشدّ الأوقات عليهم، ولكن جعلها في أخفّ الأوقات عليهم، كما قال اللّه عزّوجلّ: ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَايُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) .

( البقرة: 185/2. )

فإن قال: فلِمَ يرفع اليدين في التكبير؟

قيل: لأنّ رفع اليدين هو ضرب من الإبتهال، والتبتّل، والتضرّع، فأحبّ اللّه عزّوجلّ أن يكون العبد في وقت ذكره له متبتّلاً متضرّعاً مبتهلاً، ولأنّ في رفع اليدين إحضار النيّة، وإقبال القلب علي ما قال وقصده.

فإن قال: فلِمَ جعل صلاة السنّة أربعاً وثلاثين ركعة؟

قيل: لأنّ الفريضة سبع عشرة ركعة، فجعلت السنّة مثلي الفريضة كمالاً للفريضة.

فإن قال: فلِمَ جعل صلاة السنّة في أوقات مختلفة، ولم يجعل في وقت واحد؟

قيل: لأنّ أفضل الأوقات ثلاثة: عند زوال الشمس، وبعد المغرب، وبالأسحار، فأحبّ أن يصلّي له في كلّ هذه الأوقات الثلاثة، لأنّه إذا فرّقت السنّة في أوقات شتّي، كان أدائها أيسر وأخف من أن تجمع كلّها في وقت واحد.

فإن قال: فلِمَ صارت صلاة الجمعة إذا كانت مع الإمام ركعتين، وإذا كانت بغير إمام ركعتين وركعتين؟ قيل: لعلل شتّي:

منها: أنّ الناس يتخطّون إلي الجمعة من بعد، فأحبّ اللّه عزّوجلّ أن يخفّف عنهم لموضع التعب الذي صاروا إليه.

ومنها: أنّ الإمام يحبسهم للخطبة، وهم منتظرون للصلاة، ومن انتظر الصلاة فهو في صلاة في حكم التمام.

ومنها: أنّ الصلاة مع الإمام أتمّ وأكمل، لعلمه وفقهه، وعدله وفضله.

ومنها: أنّ الجمعة عيد، وصلاة العيد ركعتان، ولم تقصّر لمكان الخطبتين.

فإن قال: فلِمَ جعلت الخطبة؟

قيل: لأنّ الجمعة مشهد عام، فأراد أن يكون للإمام سبباً لموعظتهم، وترغيبهم في الطاعة، وترهيبهم عن المعصية، وتوقيفهم علي ما أراد من مصلحة دينهم ودنياهم، ويخبرهم بما ورد عليه من الأوقات، ومن الأحوال التي لهم فيها المضرّة والمنفعة.

فإن قال: فلِمَ جعلت خطبتين؟

قيل: لأن تكون واحدة للثناء، والتحميد، والتقديس للّه عزّوجلّ، والأُخري للحوائج، والإعذار، والإنذار، والدعاء، وما يريد أن يعلمهم من أمره ونهيه بما فيه الصلاح والفساد.

فإن قال: فلِمَ جعلت الخطبة يوم الجمعة قبل الصلاة، وجعلت في العيدين بعد الصلاة؟

قيل: لأنّ الجمعة أمر دائم يكون في الشهر مراراً، وفي السنة كثيراً، فإذا أكثر ذلك علي الناس صلّوا وتركوه، ولم يقيموا عليه، وتفرّقوا عنه، فجعلت قبل الصلاة ليحتبسوا علي الصلاة، ولا يتفرّقوا، ولا يذهبوا، وأمّا العيدان فإنّما هو في السنة مرّتان، وهي أعظم من الجمعة، والزحام فيه أكثر، والناس منهم أرغب، فإن تفرّق بعض الناس بقي عامّتهم، وليس هو بكثير فيميلوا، ويستخفّوا به.

قال مصنف هذا الكتاب ؛ : جاء هذا الخبر هكذا: والخطبتان في الجمعة والعيد بعد الصلاة، لأنّهما بمنزلة الركعتين الأخيرتين، وإنّ أوّل من قدّم الخطبتين عثمان بن عفّان، لأنّه لمّا أحدث ما أحدث، لم يكن الناس يقفون علي خطبة ويقولون: ما نصنع بمواعظه، وقد أحدث ما أحدث، فقدّم الخطبتين ليقف الناس إنتظاراً للصلاة، ولا يتفرّقوا عنه.

فإن قال: وجبت الجمعة علي من يكون علي فرسخين لا أكثر من ذلك؟

قيل: لأن ما يقصّر فيه الصلاة، بريدان ذاهب، أو بريد ذاهب وجائي، والبريد أربعة فراسخ، فوجبت الجمعة علي من هو نصف البريد الذي يجب فيه التقصير، وذلك أنّه يجي ء فرسخين، ويذهب فرسخين، فذلك أربعة فراسخ، وهو نصف طريق المسافر.

فإن قال: فلِمَ زيد في الصلاة السنّة يوم الجمعة أربع ركعات؟

قيل: تعظيماً لذلك اليوم، وتفرقة بينه وبين سائر الأيّام.

فإن قال: فلِمَ قصّرت الصلاة في السفر؟

قيل: لأنّ الصلاة المفروضة أوّلاً إنّما هي عشر ركعات، والسبع إنّما زيدت عليها بعد، فخفّف اللّه عنهم تلك الزيادة لموضع السفر وتعبه، ونصبه واشتغاله بأمر نفسه، وظعنه وإقامته، لئلّا يشتغل عمّا لا بدّ له من معيشة، رحمة من اللّه عزّوجلّ، وتعطّفاً عليه، إلّا صلاة المغرب، فإنّها لم تقصر، لأنّها صلاة مقصورة في الأصل.

فإن قال: فلِمَ وجب التقصير في ثمانية فراسخ، لا أقلّ من ذلك، ولا أكثر؟

قيل: لأنّ ثمانية فراسخ مسيرة للعامّة، والقوافل، والأثقال، فوجب التقصير في مسيرة يوم.

فإن قال: فلِمَ وجب التقصير في مسيرة يوم لا أكثر؟

قيل: لأنّه لو لم يجب في مسيرة يوم لما وجب في مسيرة سنة، وذلك أنّ كلّ يوم يكون بعد هذا اليوم، فإنّما هو نظير هذا اليوم، فلو لم يجب في هذا اليوم، لما وجب في نظيره، إذ كان نظيره مثله، ولا فرق بينهما.

فإن قال: قد يختلف السير، فلِمَ جعلت مسيرة يوم ثمانية فراسخ؟

قيل: لأنّ ثمانية فراسخ مسير الجمّال، والقوافل، وهو سير الذي تسيره الجمّالون والمكّارون.

فإن قال: فلِمَ ترك تطوّع النهار، ولم يترك تطوّع الليل؟

قيل: لأنّ كلّ صلاة لا تقصير فيها فلا تقصير في تطوّعها، وذلك أنّ المغرب لاتقصير فيها، فلا تقصير فيما بعدها من التطوّع، وكذلك الغداة لا تقصير فيما قبلها من التطوّع.

فإن قال: فما بال العتمة مقصورة، وليس تترك ركعتاه؟

قيل: إنّ تلك الركعتين ليستا من الخمسين، وإنّما هي زيادة في الخمسين تطوّعاً ليتمّ بها بدل كلّ ركعة من الفريضة ركعتين من التطوّع.

فإن قال: فلِمَ جاز للمسافر والمريض أن يصلّيا صلاة الليل في أوّل الليل؟

قيل: لاشتغاله وضعفه ليحرز صلاته، فليستريح المريض في وقت راحته، ويشتغل المسافر باشتغاله، وارتحاله، وسفره.

فإن قال: فلِمَ أمروا بالصلاة علي الميت؟

قيل: ليشفّعوا له، ويدعوا له بالمغفرة، لأنّه لم يكن في وقت من الأوقات أحوج إلي الشفاعة فيه، والطلب، والإستغفار من تلك الساعة.

فإن قال: فلِمَ جعلت خمس تكبيرات دون أن يكبّر أربعاً أو ستّاً؟

قيل: إنّ الخمس إنّما أخذت من الخمس الصلوات في اليوم والليلة.

فإن قال: فلِمَ لم يكن فيها ركوع أو سجود؟

قيل: لأنّه إنّما أُريد بهذه الصلاة الشفاعة لهذا العبد الذي قد تخلّي عمّا خلّف، واحتاج إلي ما قدّم.

فإن قال: فلِمَ أمر بغسل الميّت؟

قيل: لأنّه إذا مات كان الغالب عليه النجاسة، والآفة، والأذي، فأحبّ أن يكون طاهراً إذا باشر أهل الطهارة، من الملائكة الذين يلونه ويماسّونه فيما بينهم نظيفاً، موجّهاً به إلي اللّه عزّوجلّ، وليس من ميّت يموت إلّا خرجت منه الجنابة، فلذلك أيضاً وجب الغسل.

فإن قال: فلِمَ أمروا بكفن الميّت؟

قيل: ليلقي ربّه عزّوجلّ طاهر الجسد، ولئلّا تبدو عورته لمن يحمله ويدفنه، ولئلّا يظهر الناس علي بعض حاله، وقبح منظره، وتغيّر ريحه، ولئلّا يقسو القلب من كثرة النظر إلي مثل ذلك، للعاهة والفساد، وليكون أطيب لأنفس الأحياء، ولئلّا يبغضه حميم فيلقي ذكره ومودّته، فلا يحفظه فيما خلّف وأوصاه، وأمره به، واجباً كان أو ندباً.

فإن قال: فلِمَ أمر بدفنه؟

قيل: لئلّا يظهر الناس علي فساد جسده، وقبح منظره، وتغيّر ريحه، ولايتأذّي به الأحياء بريحه، وبما يدخل عليه من الآفة والفساد، وليكون مستوراً عن الأولياء والأعداء، فلا يشمت عدوّه، ولا يحزن صديقه.

فإن قال: فلِمَ أمر من يغسله بالغسل؟

قيل: لعلّة الطهارة ممّا أصابه من نضح الميّت، لأنّ الميّت إذا خرج منه الروح بقي منه أكثر آفته.

فإن قال: فلِمَ لم يجب الغسل علي من مسّ شيئاً من الأموات غير الإنسان، كالطير، والبهائم، والسباع، وغير ذلك؟

قيل: لأنّ هذه الأشياء كلّها ملبسة، ريشاً، وصوفاً، وشعراً، ووبراً، هذا كلّه زكيّ طاهر، ولا يموت، وإنّما يماسّ منه الشي ء الذي هو زكيّ من الحيّ والميّت.

فإن قال: فلِمَ جوّزتم الصلاة علي الميّت بغير وضوء؟

قيل: لأنّه ليس فيها ركوع ولا سجود، وإنّما هي دعاء ومسألة، وقد يجوز أن تدعو اللّه وتسأله علي أيّ حال كنت، وإنّما يجب الوضوء في الصلاة التي فيها الركوع والسجود.

فإن قال: فلِمَ جوّزتم الصلاة عليه قبل المغرب وبعد الفجر؟

قيل: لأنّ هذه الصلاة إنّما تجب في وقت الحضور والعلة، وليست هي موقّتة كسائر الصلوات، وإنّما هي صلاة تجب في وقت حدوث الحدث، ليس للإنسان فيه إختيار، وإنّما هو حقّ يؤدّي، وجائز أن تؤدّي الحقوق في أيّ وقت، إذا لم يكن الحقّ موقّتاً.

فإن قال: فلِمَ جعلت للكسوف صلاة؟

قيل: لأنّه آية من آيات اللّه عزّوجلّ، لا يدري لرحمة ظهرت أم لعذاب؟ فأحبّ النبيّ ( صلي الله عليه وآله وسلم ) أن يفزع أُمّته إلي خالقها وراحمها عند ذلك، ليصرف عنهم شرّها، ويقيهم مكروهها، كما صرف عن قوم يونس ( عليه السلام ) ، حين تضرّعوا إلي اللّه عزّوجلّ.

فإن قال: فلِمَ جعلت عشر ركعات؟

قيل: لأنّ الصلاة التي نزل فرضها من السماء إلي الأرض أوّلاً في اليوم والليلة، فإنّما هي عشر ركعات، فجمعت تلك الركعات هيهنا، وإنّما جعل فيها السجود، لأنّه لا يكون صلاة فيها ركوع إلّا وفيها سجود، ولأن يختموا أيضاً صلواتهم بالسجود والخضوع، وإنّما جعلت أربع سجدات، لأنّ كلّ صلاة نقص سجود من أربع سجدات، لا يكون صلاة، لأنّ أقلّ الفرض السجود في الصلاة لايكون إلّا علي أربع سجدات.

فإن قال: فلِمَ لم يجعل بدل الركوع سجوداً؟

قيل: لأنّ الصلاة قائماً أفضل من الصلاة قاعداً، ولأنّ القائم يري الكسوف والإنجلاء، والساجد لا يري.

فإن قال: فلِمَ غيّرت عن أصل الصلاة التي افترضها اللّه؟

قيل: لأنّه صلّي لعلّة تغيّر أمر من الأُمور وهو الكسوف، فلمّا تغيّرت العلّة تغيّر المعلول.

فإن قال: فلِمَ جعل يوم الفطر العيد؟

قيل: لأن يكون للمسلمين مجمعاً يجتمعون فيه، ويبرزون إلي اللّه عزّوجلّ، فيحمدونه علي ما منّ عليهم، فيكون يوم عيد ويوم اجتماع، ويوم فطر ويوم زكاة، ويوم رغبة ويوم تضرّع، ولأنّه أوّل يوم من السنة، يحلّ فيه الأكل والشرب، لأنّ أوّل شهور السنة عند أهل الحقّ شهر رمضان، فأحبّ اللّه عزّوجلّ أن يكون لهم في ذلك اليوم مجمع يحمدونه فيه ويقدّسونه.

فإن قال: فلِمَ جعل التكبير فيها أكثر منه في غيرها من الصلاة؟

قيل: لأنّ التكبير إنّما هو تكبير للّه، وتمجيد علي ما هدي وعافي، كما قال اللّه عزّوجلّ: ( وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَي مَا هَدَلكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) .

( البقرة: 185/2. )

فإن قال: فلِمَ جعل فيها اثنتا عشرة تكبيرة؟

قيل: لأنّه يكون في كلّ ركعتين اثنتا عشرة تكبيرة، فلذلك جعل فيها اثنتا عشرة تكبيرة.

فإن قال: فلِمَ جعل سبع تكبيرات في الأُولي، وخمس في الثانية، ولم يسوّ بينهما؟

قيل: لأنّ السنّة في صلاة الفريضة أن يستفتح بسبع تكبيرات، فلذلك بدئ هيهنا بسبع تكبيرات، وجعل في الثانية خمس تكبيرات، لأنّ التحريم من التكبير في اليوم والليلة خمس تكبيرات، وليكون التكبير في الركعتين جميعاً وتراً وتراً.

فإن قال: فلم أمر بالصوم؟

قيل: لكي يعرفوا ألم الجوع والعطش، فليستدلّوا علي فقر الآخرة، وليكون الصائم خاشعاً ذليلاً، مستكيناً مأجوراً، محتسباً عارفاً، صابراً علي ما أصابه من الجوع والعطش، فيستوجب الثواب مع ما فيه من الانكسار عن الشهوات، وليكون ذلك واعظاً لهم في العاجل، ورائضاً لهم علي أداء ما كلّفهم، ودليلاً لهم في الآجل، وليعرفوا شدّة مبلغ ذلك علي أهل الفقر والمسكنة في الدنيا، فيؤدّوا إليهم ما افترض اللّه لهم في أموالهم.

فإن قال: فلِمَ جعل الصوم في شهر رمضان خاصّة دون سائر الشهور؟

قيل: لأنّ شهر رمضان هو الشهر الذي أنزل اللّه تعالي فيه القرآن، وفيه فرّق بين الحقّ والباطل، كما قال اللّه عزّوجلّ: ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْءَانُ هُدًي لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَتٍ مِّنَ الْهُدَي وَالْفُرْقَانِ ) ، وفيه نُبّي ء ( البقرة: 185/2. )

محمّد ( صلي الله عليه وآله وسلم ) ، وفيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، و( فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ) ، وهو رأس السنة يقدّر فيها ما يكون في السنة، من ( الدخان: 4/44. )

خير أو شرّ، أومضرّة أو منفعة، أو رزق أو أجل، ولذلك سمّيت ليلة القدر.

فإن قال: فلِمَ أُمروا بصوم شهر رمضان لا أقلّ من ذلك ولا أكثر؟

قيل: لأنّه قوّة العبادة الذي يعمّ فيها القويّ والضعيف، وإنّما أوجب اللّه الفرائض علي أغلب الأشياء، وأعمّ القوي، ثمّ رخّص لأهل الضعف، ورغب أهل القوّة في الفضل، ولو كانوا يصلحون علي أقلّ من ذلك لنقصهم، ولواحتاجوا إلي أكثر من ذلك لزادهم.

فإن قال: فلِمَ إذا حاضت المرأة لا تصوم ولا تصلّي؟

قيل: لأنّها في حدّ نجاسة، فأحبّ اللّه أن لا تعبده إلّا طاهراً، ولأنّه لا صوم لمن لا صلاة له.

فإن قال: فلِمَ صارت تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة؟

قيل: لعلل شتّي:

فمنها: أنّ الصيام لا يمنعها من خدمة نفسها، وخدمة زوجها، وإصلاح بيتها، والقيام بأمرها، والإشتغال بمرمّة معيشتها، والصلاة تمنعها من ذلك كلّه، لأنّ الصلاة تكون في اليوم والليلة مراراً فلا تقوي علي ذلك، والصوم ليس كذلك.

ومنها: أنّ الصلاة فيها عناء وتعب، واشتغال الأركان، وليس في الصوم شي ء من ذلك، وإنّما هو الإمساك عن الطعام والشراب، وليس فيه اشتغال الأركان.

ومنها: أنّه ليس من وقت يجي ء إلّا تجب عليها فيه صلاة جديدة في يومها وليلتها، وليس الصوم كذلك، لأنّه ليس كلّما حدث يوم وجب عليها الصوم، وكلّما حدث وقت الصلاة وجب عليها الصلاة.

فإن قال: فلِمَ إذا مرض الرجل أو سافر في شهر رمضان فلم يخرج من سفره، أو لم يفق من مرضه حتّي يدخل شهر رمضان آخر وجب عليه الفداء للأوّل، وسقط القضاء، فإذا أفاق بينهما، أو أقام ولم يقضه وجب عليه القضاء والفداء؟

قيل: لأنّ ذلك الصوم إنّما وجب عليه في تلك السنة في ذلك الشهر، فأمّا الذي لم يفق فإنّه لمّا أن مرّت عليه السنة كلّها، وقد غلب اللّه تعالي عليه، فلم يجعله له السبيل إلي أدائه سقط عنه، وكذلك كلّما غلب اللّه عليه، مثل المغمي عليه الذي يغمي عليه يوماً وليلة، فلا يجب عليه قضاء الصلوات كما قال الصادق ( عليه السلام ) : كلّما غلب اللّه عليه العبد فهو أعذر له؛ لأنّه دخل الشهر وهو مريض، فلم يجب عليه الصوم في شهره، ولا سنته، للمرض الذي كان فيه، ووجب عليه الفداء، لأنّه بمنزلة من وجب عليه صوم فلم يستطع أداءه، فوجب عليه الفداء، كما قال اللّه عزّوجلّ: ( شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) ، وكما قال اللّه عزّوجلّ: ( فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ ( المجادلة: 4/58. )

صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) ، فأقام الصدقة مقام الصيام إذا عسر عليه.

( البقرة: 196/2. )

فإن قال: فلِمَ فإن لم يستطع إذ ذاك فهو الآن فيستطيع؟

قيل له: لأنّه لمّا دخل عليه شهر رمضان آخر وجب عليه الفداء للماضي، لأنّه كان بمنزلة من وجب عليه صوم في كفّارة فلم يستطعه، فوجب عليه الفداء، وإذا وجب الفداء سقط الصوم، والصوم ساقط، والفداء لازم، فإن أفاق فيما بينهما ولم يصمه وجب عليه الفداء لتضييعه، والصوم لاستطاعته.

فإن قال: فلِمَ جعل الصوم السنّة؟

قيل: ليكمل فيه الصوم الفرض.

فإن قال: فلِمَ جعل في كلّ شهر ثلاثة أيّام، وفي كلّ عشرة أيّام يوماً؟

قيل: لأنّ اللّه تبارك وتعالي يقول: ( مَن جَآءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ و عَشْرُ أَمْثَالِهَا ) ، فمن صام في كلّ عشرة أيّام يوماً واحداً، فكأنّما صام ( الأنعام: 160/6. )

الدهر كلّه، كما قال سلمان الفارسيّ رحمة اللّه عليه: صوم ثلاثة أيّام في شهر، صوم الدهر كلّه، فمن وجد شيئاً غير الدهر فليصمه.

فإن قال: فلِمَ جعل أوّل خميس من العشر الأوّل، وآخر خميس في العشر الآخر، وأربعاء في العشر الأوسط؟

قيل: أمّا الخميس فإنّه قال الصادق ( عليه السلام ) : يعرض في كلّ خميس أعمال العباد علي اللّه عزّوجلّ، فأحبّ أن يعرض عمل العبد علي اللّه تعالي وهو صائم.

فإن قال: فلِمَ جعل آخر لخميس؟

قيل: لأنّه إذا عرض عليه عمل ثمانية أيّام، والعبد صائم كان أشرف وأفضل من أن يعرض عمل يومين وهو صائم، وإنّما جعل الأربعاء في العشر الأوسط، لأنّ الصادق ( عليه السلام ) أخبر: بأنّ اللّه عزّوجلّ خلق النار في ذلك اليوم، وفيه أهلك القرون الأُولي، وهو يوم نحس مستمرّ، فأحبّ أن يدفع العبد عن نفسه نحس ذلك اليوم بصومه.

فإن قال: فلِمَ وجب في الكفّارة علي من لم يجد تحرير رقبة، الصيام، دون الحجّ والصلاة وغيرهما؟

قيل: لأنّ الصلاة والحجّ، وسائر الفرائض مانعة للإنسان من التقلّب في أمر دنياه، ومصلحة معيشته، مع تلك العلل التي ذكرناها في الحائض التي تقضي الصيام، ولا تقضي الصلاة.

فإن قال: فلِمَ وجب عليه صوم شهرين متتابعين، دون أن يجب عليه شهر واحد، أو ثلاثة أشهر؟

قيل: لأنّ الفرض الذي فرض اللّه علي الخلق وهو شهر واحد، فضوعف في هذا الشهر في كفّارته، توكيداً وتغليظاً عليه.

فإن قال: فلِمَ جعلت متتابعين؟

قيل: لئلّا يهوّن عليه الأداء فيستخفّ به، لأنّه إذا قضاه متفرّقاً، هان عليه القضاء.

فإن قال: فلِمَ أمر بالحجّ؟

قيل: لعلّة الوفادة إلي اللّه عزّوجلّ، وطلب الزيادة، والخروج من كلّ مااقترف العبد تائباً ممّا مضي، مستأنفاً لما يستقبل، مع ما فيه من إخراج الأموال، وتعب الأبدان، والاشتغال عن الأهل والولد، وحظر الأنفس عن اللذّات، شاخص في الحرّ والبرد، ثابت ذلك عليه، دائم مع الخضوع، والاستكانة، والتذلّل، مع ما في ذلك لجميع الخلق من المنافع، في شرق الأرض وغربها، ومن في البرد والحرّ ممّن يحجّ، وممّن لا يحجّ، من بين تاجر وجالب، وبائع ومشتري، وكاسب ومسكين، ومكار وفقير، وقضاء حوائج أهل الأطراف في المواضع الممكن لهم الاجتماع فيها، مع ما فيه من التفقّه، ونقل أخبار الأئمّ ( عليهم السلام ) : إلي كلّ صُقع وناحية، كما قال اللّه تعالي: ( فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِ ّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآلِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ )

( التوبة: 122/9. )

و( لِّيَشْهَدُواْ مَنَفِعَ لَهُمْ ) .

( الحجّ: 28/22. )

فإن قال: فلِمَ أُمروا بحجّة واحدة، لا أكثر من ذلك؟

قيل: لأنّ اللّه تعالي وضع الفرائض علي أدني القوم مرّة، كما قال اللّه عزّوجلّ: ( فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) ، يعني شاة، ليسع القويّ والضعيف، ( البقرة: 196/2. )

وكذلك سائر الفرائض إنّما وضعت علي أدني القوم قوّة، فكان من تلك الفرائض الحجّ المفروض واحداً، ثمّ رغب بعد، أهل القوّة بقدر طاقتهم.

فإن قال: فلِمَ أُمروا بالتمتّع بالعمرة إلي الحجّ؟

قيل: ذلك تخفيف من ربّكم ورحمة، لأن يسلم الناس من إحرامهم، ولا يطول عليهم ذلك، فتداخل عليهم الفساد، ولأن يكون الحجّ والعمرة واجبين جميعاً، فلا تعطّل العمرة ولا تبطل، ولأن يكون الحجّ مفرداً من العمرة، ويكون بينهما فصل تمييز، و قال النبيّ ( صلي الله عليه وآله وسلم ) : دخلت العمرة في الحجّ إلي يوم القيامة، ولولا أنّه ( صلي الله عليه وآله وسلم ) كان ساق الهدي، ولم يكن له أن يحلّ ( حَتَّي يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ و ) لفعل كما أمر الناس؛ ولذلك قال ( صلي الله عليه وآله وسلم ) : لو استقبلت من ( البقرة: 196/2. )

أمري ما استدبرت، لفعلت كما أمرتكم، ولكنّي سُقتُ الهدي، وليس لسائق الهدي أن يحلّ حتّي يبلغ الهدي محلّه.

فقام إليه رجل فقال: يا رسول اللّه! نخرج حجّاجاً! ورؤوسنا تقطر من ماء الجنابة؟

فقال ( صلي الله عليه وآله وسلم ) : إنّك لن تؤمن بهذا أبداً.

فإن قال: فلِمَ جعل وقتها عشر ذي الحجّة؟

قيل: لأنّ اللّه تعالي أحبّ أن يعبد بهذه العبادة في أيّام التشريق، وكان أوّل ما حجّت إليه الملائكة، وطافت به في هذا الوقت، فجعله سنّة ووقتاً إلي يوم القيامة، فأمّا النبيّون آدم ونوح وإبراهيم وموسي وعيسي ومحمّد صلّي اللّه عليه وعليهم أجمعين، وغيرهم من الأنبياء، إنّما حجّوا في هذا الوقت، فجعلت سنّة في أولادهم إلي يوم القيامة.

فإن قال: فلِمَ أُمروا بالإحرام؟

قيل: لأن يخشعوا قبل دخول حرم اللّه - عزّوجلّ - وأمنه، ولئلّا يلهوا، ويشتغلوا بشي ء من أمر الدنيا وزينتها ولذّاتها، ويكون جادّين فيما هم فيه، قاصدين نحوه، مقبلين عليه بكلّيّتهم، مع ما فيه من التعظيم للّه تعالي ولبيته، والتذلّل لأنفسهم عند قصدهم إلي اللّه تعالي، ووفادتهم إليه، راجين ثوابه، راهبين من عقابه، ماضين نحوه، مقبلين إليه بالذلّ والاستكانة والخضوع، وصلّي اللّه علي محمّد وآله وسلّم.

حدّثنا عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس النيسابوريّ العطّار ( رضي الله عنه ) قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن قتيبة النيسابوريّ قال: قلت للفضل بن شاذان - لمّا سمعت منه هذه العلل: أخبرني عن هذه العلل التي ذكرتها، عن الاستنباط والاستخراج وهي من نتائج العقل، أو هي ممّا سمعته ورويته؟

فقال لي: ما كنت لأعلم مراد اللّه تعالي بما فرض، ولا مراد رسول ال لّه ( صلي الله عليه وآله وسلم ) بما شرع وسنّ، ولا أُعلّل ذلك من ذات نفسي؛ بل سمعتها من مولاي أبي الحسن عليّ بن موسي الرضا ( عليهماالسلام ) المرّة بعد المرّة، والشي ء بعد الشي ء، فجمعتها.

فقلت له: فأُحدّث بها عنك عن الرضا ( عليه السلام ) ؟ قال: نعم.

حدّثنا الحاكم أبو محمّد جعفر بن نعيم بن شاذان النيسابوريّ ( رضي الله عنه ) ، عن عمّه أبي عبد اللّه محمّد بن شاذان، عن الفضل بن شاذان أنّه قال: سمعت هذه العلل من مولاي أبي الحسن ابن موسي الرضا ( عليهماالسلام ) ، فجمعتها متفرّقة، وألّفتها.

( عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 99/2 ح 1.



عنه وعن العلل، البحار: 58/6 ح 1 بتمامه، وقطع منه في سائر مجلّداته، وكذا في وسائل الشيعة، ونور الثقلين، والفصول المهمّة للحرّ العامليّ، والوافي.

علل الشرائع: 251 ب 182 ح 9، بتفاوت.

من لا يحضره الفقيه، قِطَعٌ منه في المجلّد الأوّل منه.

ذكري الشيعة: 247 س 12 قطعة منه.

قطعة منه في (حجّ الأنبيا ( عليهم السلام ) : ) و(أنّ النبيّ ( صلي الله عليه وآله وسلم ) أضاف الركعة والركعتين إلي الصلاة) و(سورة الحمد: 1/1 - 7) و(سورة البقرة: 185/2، و196، و286) و(سورة الأنعام: 160/6) و(سورة التوبة: 122/9) و(سورة الحجّ: 28/22) و(سورة الدخان:4/44) و(سورة المجادلة: 4/58) و(ما رواه عن النبيّ ( صلي الله عليه وآله وسلم ) ) و(ما رواه عن الصادق ( عليه السلام ) ) و(ما رواه عن سلمان الفارسيّ ؛ ). )




الثاغ - علّة تشريع الصلاة:

1 - الشيخ الصدوق ؛ :...محمّد بن سنان: إنّ أبا الحسن عليّ بن موسي الرضا ( عليهماالسلام ) ، كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله:

أنّ علّة الصلاة، أنّها إقرار بالربوبيّة للّه عزّوجلّ، وخلع الأنداد، وقيام بين يدي الجبّار جلّ جلاله بالذلّ والمسكنة، والخضوع، والاعتراف، والطلب للإقالة من سالف الذنوب.

ووضع الوجه علي الأرض كلّ يوم خمس مرّات إعظاماً للّه عزّوجلّ، وأن يكون ذاكراً غير ناس، ولا بطر، ويكون خاشعاً متذلّلاً، راغباً طالباً للزيادة في الدين والدنيا مع ما فيه من الانزجار، والمداومة علي ذكر اللّه عزّوجلّ بالليل والنهار لئلّا ينسي العبد سيّده، ومدبّره وخالقه، فيبطر ويطغي، ويكون في ذكره لربّه، وقيامه بين يديه، زاجراً له عن المعاصي، ومانعاً من أنواع الفساد.

( علل الشرائع: 317 ب 2 ح 2.

يأتي الحديث بتمامه في ف 8 رقم 2512. )


2 - ابن شهرآشوب ؛ : ممّا أجاب ( عليه السلام ) بحضرة المأمون لصبّاح بن نصر الهنديّ، وعمران الصابيّ عن مسائلهما؛...

وسألاه عن علّة الصلاة؟

فقال ( عليه السلام ) : طاعة أمرهم بها، وشريعة حملهم عليها، وفي الصلاة توقير له وتبجيل، وخضوع من العبد إذا سجد، والإقرار بأنّ فوقه ربّاً يعبده، ويسجد له....

( المناقب: 353/4 س 18.

يأتي الحديث بتمامه في ف 8 رقم 2390. )




الثالث - علّة الصوم:

1 - ابن شهرآشوب ؛ : ممّا أجاب ( عليه السلام ) بحضرة المأمون لصبّاح بن نصر الهنديّ، وعمران الصابيّ عن مسائلهما؛... وسألاه عن علّة الصلاة؟

فقال ( عليه السلام ) : طاعة أمرهم بها، وشريعة حملهم عليها، وفي الصلاة توقير له وتبجيل، وخضوع من العبد إذا سجد، والإقرار بأنّ فوقه ربّاً يعبده، ويسجد له.

وسألاه عن الصوم؟

فقال ( عليه السلام ) : امتحنهم بضرب من الطاعة، كيما ينالوا بها عنده الدرجات، ليعرفهم فضل ما أنعم عليهم من لذّة الماء، وطيب الخبز، وإذا عطشوا يوم صومهم، ذكروا يوم العطش الأكبر في الآخرة، وزادهم ذلك رغبة في الطاعة....

( المناقب: 353/4 س 18.

يأتي الحديث بتمامه في ف 8 رقم 2390. )




الرابع - علّة تحريم الزنا:

1 - ابن شهرآشوب ؛ : ممّا أجاب ( عليه السلام ) بحضرة المأمون لصبّاح بن نصر الهنديّ، وعمران الصابيّ عن مسائلهما؛...

وسألاه: لِمَ حرّم الزنا؟

قال ( عليه السلام ) : لما فيه من الفساد، وذهاب المواريث، وانقطاع الأنساب، لا تعلم المرأة في الزنا مَن أحبلها، ولا المولود يعلم مَن أبوه، ولا أرحام موصولة، ولاقرابة معروفة.

( المناقب: 353/4 س 18.

يأتي الحديث بتمامه في ف 8 رقم 2390. )




الخامس - علّة تأخير إجابة الدعاء:

1 - محمّد بن يعقوب الكلينيّ ؛ : محمّد بن يحيي، عن أحمد بن عيسي، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: قلت لأبي الحسن ( عليه السلام ) : جعلت فداك، إنّي قد سألت اللّه حاجة منذ كذا وكذا سنة، وقد دخل قلبي من إبطاءها شي ء؛ فقال ( عليه السلام ) : يا أحمد! إيّاك والشيطان أن يكون له عليك سبيل حتّي يقنطك، إنّ أباجعفر صلوات اللّه عليه كان يقول: إنّ المؤمن يسأل اللّه عزّ وجلّ حاجة فيؤخّر عنه تعجيل إجابته حبّاً لصوته، واستماع نحيبه، ثمّ قال: واللّه! ما أخّر اللّه عزّ وجلّ عن المؤمنين ما يطلبون من هذه الدنيا خير لهم ممّا عجّل لهم فيها، وأيّ شي ء الدنيا؟ إنّ أبا جعفر ( عليه السلام ) كان يقول: ينبغي للمؤمن أن يكون دعاؤه في الرخاء نحواً من دعائه في الشدّة، ليس إذا أُعطي فتر، فلا تملّ الدعاء فإنّه من اللّه عزّ وجلّ بمكان، وعليك بالصبر وطلب الحلال، وصلة الرحم، وإيّاك ومكاشفة الناس، فإنّا أهل البيت نصل من قطعنا، ونحسن إلي من أساء إلينا، فنري واللّه! في ذلك العاقبة الحسنة، إنّ صاحب النعمة في الدنيا إذا سأل فأعطي طلب غير الذي سأل، وصغرت النعمة في عينه فلا يشبع من شي ء، وإذا كثرت النعم كان المسلم من ذلك علي خطر للحقوق التي تجب عليه، وما يخاف من الفتنة فيها، أخبرني عنك لو أنّي قلت لك قولاً أكنت تثق به منّي؟

فقلت له: جعلت فداك، إذا لم أثق بقولك، فبمن أثق، وأنت حجّة اللّه علي خلقه؟

قال ( عليه السلام ) : فكن باللّه أوثق، فإنّك علي موعد من اللّه، أليس اللّه عزّ وجلّ يقول: ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَ عَانِ ) وقال: ( لَاتَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ) وقال: ) البقرة: 186/2. )

( الزمر: 53/39. )

( وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً) فكن باللّه عزّ وجلّ أوثق منك ( البقرة: 268/2. )

بغيره، ولاتجعلوا في أنفسكم إلّا خيراً، فإنّه مغفور لكم.

( الكافي: 488/2 ح 1، عنه وعن عدّة الداعي، وسائل الشيعة: 56/7 ح 8710، والبرهان: 185/1 ح 2، ونور الثقلين: 171/1 ح 589، قطعة منه.

عدّة الداعي: 200 س 11، قطعة منه، عنه البحار: 374/90 ضمن ح 16.

قرب الإسناد: 385 ح 1358، عنه البحار: 367/90 ح 1، عنه وعن الكافي، وسائل الشيعة: 61/7 ح 8726، و84 ح 8792، قطعة منه.

قطعة منه في (سورة البقرة: 2/ 186 و268) و(سورة الزمر: 53/39) و(ما رواه عن الباقر ( عليه السلام ) ) و(سيرة الأئمّ ( عليهم السلام ) : مع المخالفين) و(موعظته ( عليه السلام ) في أمور شتّي). )




السادس - علّة تكبيرات الخمس علي الميّت:

1 - الشيخ الصدوق ؛ : حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ( رضي الله عنه ) قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، عن محمّد بن عيسي، عن الحسن بن النضر قال: قلت للرضا ( عليه السلام ) : ما العلّة في التكبير علي الميّت خمس تكبيرات؟

قال: رووا أنّها اشتقّت من خمس صلوات.

( في العلل: قال: قلت: رووا. )

فقال ( عليه السلام ) : هذا ظاهر الحديث، فأمّا في وجه آخر، فإنّ اللّه عزّ وجلّ ( في العلل: فأمّا باطنه. )

قد فرض علي العباد خمس فرائض: الصلاة، والزكاة، والصيام، والحجّ، والولاية، فجعل للميّت كلّ فريضة تكبيرة واحدة، فمن قبل الولاية كبّر خمساً، ومن لم يقبل الولاية كبّر أربعاً، فمن أجل ذلك تكبّرون خمساً، ومن خالفكم يكبّر أربعاً.

( عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 82/2 ح 20. عنه وعن العلل، وسائل الشيعة: 76/3 ح 3061، والبحار: 344/78 ح 7.

علل الشرائع: 304، ب 245 ح 4.

قطعة منه في (عدد التكبيرات في الصلاة علي الميّت). )




السابع - علّة التلبية:

1 - الشيخ الصدوق ؛ : حدّثنا عليّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقّاق ( رضي الله عنه ) قال: حدّثنا أبو الحسين محمّد بن جعفر الأسديّ، عن سهل بن زياد الآدميّ، عن جعفر بن عثمان الدارميّ، عن سليمان بن جعفر قال: سألت أبا الحسن الرضا ( عليه السلام ) عن التلبية وعلّتها؟

فقال ( عليه السلام ) : إنّ الناس إذا أحرموا ناداهم اللّه عزّ وجلّ فقال: عبادي وإمائي لأحرّمنّكم علي النار كما أحرمتم لي، فيقولون: «لبّيك، اللّهمّ لبّيك»، إجابة للّه عزّ وجلّ علي ندائه إيّاهم.

( عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 83/2 ح 21. عنه الوافي: 200/12 س 18. عنه وعن العلل، البحار: 184/96 ح 10.

من لايحضره الفقيه: 127/2 ح 546، وفيه: سألت أبا الحسن ( عليه السلام ) . عنه وعن العيون والعلل، وسائل الشيعة: 375/12 ح 16552.

علل الشرائع: 416، ب 157 ح 2. )




الثامن - حكمة الغسل والمسح في الوضوء:

1 - الشيخ الطوسيّ ؛ : أخبرني الحسين بن عبيد اللّه، عن أحمد بن محمّد بن يحيي، عن أبيه، عن محمّد بن عليّ بن محبوب، عن أحمد بن محمّد، عن أبي همّام، عن أبي الحسن ( عليه السلام ) في وضوء الفريضة في كتاب اللّه، ( هو إسماعيل بن أبي همّام الذي تقدّمت ترجمته في (صلاة النبيّ ( صلي الله عليه وآله وسلم ) في زوايا الكعبة). )

قال: المسح والغسل في الوضوء للتنظيف.

( الاستبصار: 64/1 ح 192. عنه وعن التهذيب، وسائل الشيعة: 420/1 ح 1098، وفيه:عن أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) .

تهذيب الأحكام: 64/1 ح 181. عنه الوافي: 296/6 ح 4328.

ذكري الشيعة: 86 س 38. )




التاسع - علّة ابتداء الكلام بالسلام:

1 - الراونديّ ؛ : روي عن محمّد بن الفضل الهاشميّ قال:...فلمّا كان في اليوم الثالث من دخولي البصرة، إذا الرضا ( عليه السلام ) قد وافي فقصد منزل الحسن بن محمّد، وأخلي له داره، وقام بين يديه يتصرّف بين أمره ونهيه فقال: يا حسن بن محمّد! أحضر جميع القوم الذين حضروا عند محمّد بن الفضل، وغيرهم من شيعتنا، وأحضر جاثليق النصاري، ورأس الجالوت، ومُر القوم أن يسألوا عمّا بدا لهم، فجمعهم كلّهم والزيديّة، والمعتزلة، وهم لا يعلمون لما يدعوهم الحسن بن محمّد، فلمّا تكاملوا، ثنّي للرضا ( عليه السلام ) وسادة، فجلس عليها، ثمّ قال: السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته، هل تدرون لم بدأتكم بالسلام؟

فقالوا: لا.

قال ( عليه السلام ) : لتطمئنّ أنفسكم....

( الخرائج والجرائح: 341/1 ح 6.

يأتي الحديث بتمامه في ف 8 رقم 2389. )


العاشر - علّة وجوب غسل الجمعة:

1 - العلّامة المجلسيّ ؛ : العلل لمحمّد بن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن جدّه إبراهيم بن هاشم، عن عليّ بن معبد، عن الحسين بن خالد قال: قلت للرضا ( عليه السلام ) : كيف صار غسل يوم الجمعة واجباً علي كلّ حرّ وعبد، وذكر وأُنثي؟

قال: فقال ( عليه السلام ) : إنّ اللّه تبارك وتعالي تمّم صلوات الفرائض بصلوات النوافل، وتمّم صيام شهر رمضان بصيام النوافل، وتمّم الحجّ بالعمرة، وتمّم الزكاة بالصدقة، وتمّم الوضوء بغسل يوم الجمعة.

( بحار الأنوار: 129/78 ح 16، عنه مستدرك الوسائل: 501/2 ح 2562. )



الحادي عشر - علّة تسمية الطائف بالطائف:

1 - الشيخ الصدوق ؛ : أخبرني عليّ بن حاتم قال: حدّثنا محمّد بن جعفر، وعليّ بن سليمان قالا: حدّثنا أحمد بن محمّد قال: قال الرضا ( عليه السلام ) : أتدري لِمَ سمّيت الطائف طائفاً؟

قلت: لا.

قال ( عليه السلام ) : لأنّ اللّه تعالي لمّا دعاه إبراهيم ( عليه السلام ) أن يرزق أهله من كلّ الثمرات، أمر بقطعة من الأُردن فسارت بثمارها حتّي طافت بالبيت، ثمّ أمرها أن تنصرف إلي هذا الموضع الذي سمّي الطائف، فلذلك سمّي الطائف.

( علل الشرائع: 442 ب 189 ح 2. عنه نور الثقلين: 124/1 ح 358.

تفسير العيّاشيّ: 60/1 ح 97، قطعة منه، وبتفاوت، عنه البرهان: 320/2 ح 10. عنه وعن العلل، البحار: 109/12 ح 31.

قرب الإسناد: 361 ح 1291، بتفاوت.

المحاسن: 340 ح 130، بتفاوت. )




الثاني عشر - علّة تسمية الخيل العراب:

1 - الشيخ الصدوق ؛ : ... عن عبدوس بن أبي عبيدة، قال: سمعت الرضا ( عليه السلام ) يقول: ... إنّما سمّيت الخيل العراب، لأنّ أوّل من ركبها إسماعيل.

( علل الشرائع: 393، ب 131 ح 5.

تقدّم الحديث في ف 1 - 4 رقم 885. )




الثالث عشر - علّة تسمية إسماعيل ( عليه السلام ) بصادق الوعد

1 - الشيخ الصدوق ؛ : ... عن سليمان الجعفريّ، عن أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) قال: أتدري لم سمّي إسماعيل صادق الوعد؟

قال: قلت: لا أدري.

فقال ( عليه السلام ) : وعد رجلاً فجلس له حولاً ينتظره.

( عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 79/2 ح 9.

تقدّم الحديث بتمامه في ف 1 - 4 رقم 886. )




الرابع عشر - علّة غرق فرعون:

1 - الشيخ الصدوق ؛ : حدّثنا عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس النيسابوريّ العطّار ( رضي الله عنه ) قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن قتيبة، عن جذان بن سليمان النيسابوريّ قال: حدّثني إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ قال:

قلت لأبي الحسن عليّ بن موسي الرضا ( عليهماالسلام ) : لأيّ علّة أغرق اللّه عزّ وجلّ فرعون، وقد آمن به وأقرّ بتوحيده؟

قال: لأنّه آمن عند رؤية البأس، والإيمان عند رؤية البأس غير مقبول، وذلك حكم اللّه تعالي في السلف والخلف؛ قال اللّه عزّ وجلّ: ( فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُواْ ءَامَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ و وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ ي مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَنُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا) ؛

( غافر: 84/40 و85. )

وقال عزّ وجلّ: ( يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ ءَايَتِ رَبِّكَ لَايَنفَعُ نَفْسًا إِيمَنُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَنِهَا خَيْرًا) ؛

( الأنعام: 158/6. )

وهكذا فرعون لمّا أدركه الغرق قال: ( ءَامَنتُ أَنَّهُ و لَآ إِلَهَ إِلَّا الَّذِي ءَامَنَتْ بِهِ ي بَنُواْ إِسْرَءِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) ؛

( يونس: 90/10. )

فقيل له: ( ءَآلَْنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ ءَايَةً) وقد كان فرعون من قرنه إلي ( يونس: 91/10 - 92. )

قدمه في الحديد، وقد لبسه علي بدنه، فلمّا أغرق ألقاه اللّه علي نجوة من ( النجوة: المرتفع من الأرض. المعجم الوسيط: 905. )

الأرض ببدنه، لتكون لمن بعده علامة، فيرونه مع تثقّله بالحديد علي مرتفع من الأرض، وسبيل الثقيل أن يرسب ولايرتفع، وكان ذلك آية وعلامة؛

( في بعض النسخ والعلل: التثقيل. )

ولعلّة أُخري أغرق اللّه عزّ وجلّ فرعون، وهي أنّه استغاث بموسي لمّا أدركه الغرق ولم يستغث باللّه، فأوحي اللّه عزّ وجلّ إليه: يا موسي! لم تغث فرعون، لأنّك لم تخلقه، ولو استغاث بي لأغثته.

( عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 77/2 ح 7. عنه البحار: 47/64 س 15، قطعة منه، ونور الثقلين: 316/2 ح 119، و537/4 ح 119، قطعة منه. عنه وعن العلل، البحار: 23/6 ح 25، قطعة منه، و130/13 ح 34، ووسائل الشيعة: 89/16 ح 21063، قطعة منه.

علل الشرائع: 59، ب 53 ح 2. عنه البرهان: 195/2 ح 3. عنه وعن العيون، الجواهر السنيّة: 55 س 15، باختصار.

قطعة منه في (سورة الأنعام 158/6) و(سورة يونس 90/10 - 92) و(سورة غافر 84/40 و85). )




الخامس عشر - علّة تسمية الحواريّين بالحواريّين:

1 - الشيخ الصدوق ؛ : حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقانيّ ( رضي الله عنه ) قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد الكوفيّ قال: حدّثنا عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن أبيه قال: قلت لأبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) : لم سمّي الحواريّون الحواريّين؟

قال ( عليه السلام ) : أمّا عند الناس فإنّهم سمّوا حواريّين لأنّهم كانوا قصّارين، ( القصّار: المُبَيَّضُ للثياب، وكان يهيّأ النسج بعد نسجه ببلّه ودقّه بالقَصَرَة. المعجم الوسيط: 739. )

يخلصون الثياب من الوسخ بالغسل، وهو اسم مشتقّ من الخبز الحوار.

( الحُوّاري: الدقيق الأبيض، وهولباب الدقيق. المعجم الوسيط: 206. )

وأمّا عندنا فسمّي الحواريّون الحواريّين، لأنّهم كانوا مخلصين في أنفسهم، ومخلصين لغيرهم من أوساخ الذنوب بالوعظ والتذكير.

قال: فقلت له: فلم سمّي النصاري نصاري؟

قال: لأنّهم من قرية اسمها ناصرة من بلاد الشام، نزلتها مريم وعيسي ( عليهماالسلام ) ، بعد رجوعهما من مصر.

( عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 79/2 ح 10. عنه نور الثقلين: 85/1 ح 223، قطعة منه، و690 ح 435، قطعة منه، والبرهان: 284/1 ح 1، قطعة منه، و511 ح 1. عنه وعن العلل، وسائل الشيعة: 132/16 ح 21166، قطعة منه. عنه وعن العلل والمعاني، البحار: 272/14 ح 2.

علل الشرائع: 80، ب 72 ح 1.

معاني الأخبار: 50 س 12 ضمن ح 1، أورد مضمونه مرسلاً.

مقدّمة البرهان: 126 س 24، قطعة منه.

قطعة منه في (علّة تسمية النصاري نصاري) و(نزول مريم و عيسي في مدينة ناصرة بعد رجوعهما من مصر). )




السادس عشر - علّة تسمية النصاري بنصاري:

1 - الشيخ الصدوق ؛ :...عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن أبيه قال: قلت لأبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) :...فلم سمّي النصاري نصاري؟

قال: لأنّهم من قرية اسمها ناصرة من بلاد الشام، نزلتها مريم وعيسي ( عليهماالسلام ) ، بعد رجوعهما من مصر.

( عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 79/2 ح 10.

تقدّم الحديث بتمامه في رقم 904. )