الفصل الثاني: أشعاره







الفصل الثاني: أشعاره ( عليه السلام )

وفيه موضوعان



(أ) - إنشاؤه ( عليه السلام ) الشعر



1 - الشيخ الصدوق ؛ : حدّثنا الحسن بن عبد اللّه بن سعيد العسكريّ قال: أخبرني أبو بكر أحمد بن محمّد بن الفضل المعروف بابن الخبّاز سنة أربع عشرة وثلاثمائة قال: حدّثنا إبراهيم بن أحمد الكاتب قال: حدّثنا أحمد بن الحسين كاتب أبي الفيّاض، عن أبيه قال: حضرنا مجلس عليّ بن موسي ( عليهماالسلام ) فشكا رجل أخاه، فأنشأ يقول:

أعذر أخاك علي ذنوبه

واستر وغطّ علي عيوبه

واصبر علي بهت السفيه

وللزمان علي خطوبه

ودع الجواب تفضّلاً

وَكِلِ الظلوم إلي حسيبه.

( عيون أخبار الرضاعليه السلام : 176/2 ح 4. عنه البحار: 92/71 ح 18.

كشف الغمّة: 269/2 س 13، و329 س 6. عنه وعن العيون البحار: 110/49 ح 5 و6.

إعلام الوري: 69/2 س 14.

بشارة المصطفي لشيعة المرتضي عليه السلام : 78.

الفصول المهمّة لابن الصبّاغ: 247 س 17.

مقدّمة الإيضاح: 58 س 7.

نور الأبصار: 315 س 1. )


2 - الشيخ الصدوق ؛ : حدّثنا أبي ( رضي الله عنه ) قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن إبراهيم بن هاشم، عن عبد اللّه بن المغيرة قال: سمعت أبا الحسن الرضا ( عليه السلام ) يقول: إنّك في دار لها مدّة

يقبل فيها عمل العامل

ألا تري الموت محيطاً بها

يكذب فيها أمل الآمل

تعجّل الذنب لما تشتهي

وتأمل التوبة في قابل

والموت يأتي أهله بغتة

ما ذاك فعل الحازم العاقل.

( عيون أخبار الرضاعليه السلام : 176/2 ح 3. عنه البحار: 110/49 ح 4، و95/70 ح 77.

الإختصاص: 98 س 4، باختصار وفيه: كتب المأمون إلي الرضاعليه السلام فقال: عظني، فكتب عليه السلام ... عنه البحار: 112/49 ح 11. )


3 - الشيخ الصدوق ؛ : حدّثنا محمّد بن موسي المتوكّل ( رضي الله عنه ) ، ومحمّد بن محمّد بن عصام الكلينيّ، وأبو محمّد الحسن بن أحمد المؤدّب، وعليّ بن عبدالورّاق، وعليّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقّاق رضي اللّه عنهم قالوا: حدّثنا محمّد بن يعقوب الكلينيّ (ره) قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم العلويّ الجوانيّ، عن موسي بن محمّد المحاربيّ، عن رجل ذكر اسمه، عن أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) : إنّ المأمون قال له: هل رويت من الشعر شيئاً؟

فقال ( عليه السلام ) : قد رويت منه الكثير، فقال: أنشدني أحسن ما رويته في الحلم.

فقال ( عليه السلام ) :

إذا كان دوني من بليت بجهله

أبيت لنفسي أن تقابل بالجهل

وإن كان مثلي في محلّي من النهي

أخذت بحلمي كي أجلّ عن المثل

وإن كنت أدني منه في الفضل والحجي

عرفت له حقّ التقدم والفضل

فقال له المأمون: ما أحسن هذا من قاله؟

فقال: بعض فتياننا، قال: فأنشدني أحسن ما رويته في السكوت عن الجاهل، وترك عتاب الصديق.

فقال ( عليه السلام ) :

إنّي ليهجرني الصديق تجنّباً

فأريه أنّ لهجره أسباباً

وأراه إن عاتبته أغريته

فأري له ترك العتاب عتاباً

وإذا بليت بجاهل متحكّم

يجد المحال من الأمور صواباً

أوليته منّي السكوت وربّما

كان السكوت عن الجواب جواباً

فقال المأمون: ما أحسن هذا! هذا من قاله؟

فقال: لبعض فتياننا، قال: فأنشدني عن أحسن ما رويته في استجلاب العدوّ حتّي يكون صديقاً.

فقال ( عليه السلام ) :

وذي غلّة سالمته فقهرته

فأوقرته منّي لعفو التجمّل

ومن لا يدافع سيّئات عدوّه

بإحسانه لم يأخذ الطول من عل

ولم أر في الأشياء أسرع مهلكاً

لغمر قديم من وداد معجّل

فقال المأمون: ما أحسن هذا! هذا من قاله؟

فقال ( عليه السلام ) : بعض فتياننا، قال: فأنشدني أحسن ما رويته في كتمان السرّ.

فقال ( عليه السلام ) :

وإنّي لأنسي السرّ كي لا أذيعه

فيا من رأي سرّاً يصان بأن ينسي

مخافة أن يجري ببالي ذكره

فينبذه قلبي إلي ملتوي الحشا

فيوشك من لم يفش سرّاً وجال في

خواطره أن لا يطيق له حبساً

فقال المأمون: إذا أمرت أن يترّب الكتاب كيف تقول؟

قال: تربّ، قال: فمن السحا؟

قال: سح، قال: فمن الطين؟

قال: طنّ.

قال: فقال المأمون: يا غلام! تربّ هذا الكتاب، وسحه، وطنّه، وامض به إلي الفضل بن سهل، وخذ لأبي الحسن ( عليه السلام ) ثلاثمائة ألف درهم.

( عيون أخبار الرضاعليه السلام : 174/2 ح 1. قِطَعٌ منه في البحار: 107/49 ح 2،

و420/68 ح 54، و176/71 ح 13، و69/72 ح 3، و49/73 ح 5، ووسائل الشيعة:

404/7 ح 9696، و184/17 ح 22307، ومستدرك الوسائل: 435/8 ح 9921،

و302/12 ح 14146.

العدد القويّة: 293 ح 21، قطعة منه. عنه البحار: 352/75 ضمن ح 9.

المناقب لابن شهرآشوب: 372/4 س 10.

نور الأبصار: 321 س 8. قطعة منه.

قطعة منه في (أحواله عليه السلام مع المأمون). )


4 - أبو نصر الطبرسيّ ؛ : للرضا صلوات اللّه عليه:

أهدت لنا الأيّام بطّيخة

من حلل الأرض ودار السلام

تجمع أوصافاً عظاماً وقد

عدّدتها موصوفة بالنظام

كذاك قال المصطفي المجتبي

محمّد جدّي عليه السلام

ماء وحلواء وريحانة

فاكهة حُرض طعام إدام

تنقي المثانة وتصفّي الوجوه

تطيّب النكهة عشر تمام.

( مكارم الأخلاق: 175 س 14. عنه البحار: 194/63 ضمن ح 8، ومستدرك الوسائل: 410/16 ح 20368. )

5 - الشيخ الصدوق ؛ :...عبد السلام بن صالح الهرويّ قال: دخل دعبل بن عليّ الخزاعيّ ( قدس سره ) [علي ] عليّ موسي الرضا ( عليهماالسلام ) ( أثبتناه من حلية الأبرار ومدينة المعاجز. )

بمرو فقال له: يا ابن رسول اللّه ( صلي الله عليه وآله وسلم ) ! إنّي قد قلت فيك قصيدة، وآليت علي نفسي أن لاأُنشدها أحداً قبلك؛ فقال ( عليه السلام ) : هاتها، فأنشده:

مدارس آيات خلت من تلاوة

ومنزل وحي مقفر العرصات ...فلمّا انتهي إلي قوله:

وقبر ببغداد لنفس زكيّة

تضمّنها الرحمن في الغرفات

قال له الرضا ( عليه السلام ) : أفلا ألحق لك بهذا الموضع بيتين بهما تمام قصيدتك؟

فقال: بلي، يا ابن رسول اللّه! فقال ( عليه السلام ) :

وقبر بطوس يا لها من مصيبة

توقّد في الأحشاء بالحرقات

إلي الحشر حتّي يبعث اللّه قائماً

يفرّج عنّا الهمّ والكربات....

( الكافي: 23/4 ح 3.

تقدّم الحديث بتمامه في ف 3 رقم 709. )


6 - ابن شهرآشوب ؛ : إبراهيم بن العبّاس: كان الرضا ( عليه السلام ) إذا جلس علي مائدته، أجلس عليها مماليكه حتّي السايس والبوّاب.

وله ( عليه السلام ) :

لبست بالعفّة ثوب الغني

وصرت أمشي شامخ الرأس

لست إلي النسناس مستأنساً

لكنّني آنس بالناس

إذا رأيت التيه من ذي الغني

تهت علي التائه باليأس

ما إن تفاخرت علي معدم

ولا تضعضعت لإفلاس.

( المناقب: 361/4 س 10. عنه البحار: 112/49 ح 10.

قطعة منه في (معاشرته عليه السلام مع مماليكه). )


7 - الصفديّ: دخل يوماً حمّاماً، فبينما هو في مكان من الحمّام، إذ دخل عليه جنديّ فأزاله عن مركزه، وقال: صبّ علي رأسي يا أسود! فصبّ علي رأسه، فدخل من عرفه، فصاح بالجنديّ: هلكت وأهلكت، أتستخدم ابن بنت رسول ال لّه ( صلي الله عليه وآله وسلم ) ، وإمام المسلمين؟! فانثني الجنديّ يقبّل رجليه، ويقول: هلّا عصيتني إذ أمرتك!...

ليس لي ذنب ولاذنب لمن

قال لي: يا عبد! أو يا أسود!

إنّما الذنب لمن ألبسني

ظلمة وهو سنيً لايحمد.

( الوافي بالوفيات: 251/22 س 14.

تقدّم الحديث بتمامه في ف 3 رقم 700. )


8 - الشيخ الصدوق ؛ :...إبراهيم بن محمّد الحسني قال: بعث المأمون إلي أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) جارية، فلمّا أُدخلت إليه، اشمأزّت من الشيب، فلمّا رأي كراهتها، ردّها إلي المأمون، وكتب إليه بهذه الأبيات شعراً:

نعي نفسي إلي نفسي المشيب

وعند الشيب يتّعظ اللبيب

فقد ولّي الشباب إلي مداه

فلست أري مواضعه يؤوب

سأبكيه وأندبه طويلاً

وأدعوه إليّ عسي يجيب

وهيهات الذي قد فات عنّي

تمنّيني به النفس الكذوب

وراع الغانيات بياض رأسي

ومن مدّ البقاء له يشيب

( في البحار: وداع. )

أري البيض الحسان يجدف عنّي

وفي هجرانهنّ لنا نصيب

( في البحار: يحدن. )

فإن يكن الشباب مضي حبيباً

فإنّ الشيب أيضا لي حبيب

سأصحبه بتقوي اللّه حتي

يفرّق بيننا الأجل القريب

( عيون أخبار الرضاعليه السلام : 178/2 ح 8، عنه البحار: 164/49 ح 4.

إعلام الوري: 79/2 س 1.

قطعة منه في (شعره عليه السلام ). )






(ب) - إنشاده ( عليه السلام ) الشعر

وفيه أربعة موارد



الأوّل - إنشاده ( عليه السلام ) أشعار عبد المطّلب:

1 - الشيخ الصدوق ؛ : حدّثنا محمّد بن موسي بن المتوكّل قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن الريّان بن الصلت، قال: أنشدني الرضا ( عليه السلام ) لعبد المطّلب:

يعيب الناس كلّهم زمانا

وما لزماننا عيب سوانا

نعيب زماننا والعيب فينا

ولو نطق الزمان بنا هجانا

وإنّ الذئب يترك لحم ذئب

ويأكل بعضنا بعضاً عيانا

لبسنا للخداع مسوك طيب

وويل للغريب إذا أتانا.

( عيون أخبار الرضاعليه السلام : 177/2 ح 5. عنه البحار: 111/49 ح 8، و310/72 ح 9.

روضة الواعظين: 532 س 14، وفيه: قال الشاعر.

إعلام الوري: 69/2 س 9.

كشف الغمّة: 329/2 س 2.

أمالي الصدوق: 150، المجلس 33 ضمن ح 6. عنه وعن العيون، البحار: 125/15 ح 64. )


2 - الشيخ الصدوق ؛ :حدّثنا الحاكم أبو عليّ الحسين بن أحمد البيهقيّ قال: حدّثنا محمّد بن يحيي الصوليّ قال: حدّثنا محمّد بن يحيي بن أبي عبّاد قال: حدّثني عمّي قال: سمعت الرضا ( عليه السلام ) يوماً ينشد، وقليلاً ما كان ينشد شعراً:

كلّنا نأمل مدّاً في الأجل

والمنايا هنّ آفات الأمل

لاتغرّنك أباطيل المُني

والزم القصد ودع عنك العلل

إنّما الدنيا كظلّ زائل

حلّ فيه راكب ثمّ رحل

فقلت: لمن هذا أعزّ اللّه الأمير؟ فقال: العراقيّ لكم. قلت: أنشدنيه أبوالعتاهية لنفسه. فقال: هات اسمه، ودع عنك هذا، إنّ اللّه سبحانه وتعالي يقول: ( وَلَاتَنَابَزُواْ بِالْأَلْقَبِ ) ولعلّ الرجل يكره هذا.

( الحجرات: 11/49. )

( عيون أخبار الرضاعليه السلام : 177/2 ح 7. عنه البحار: 107/49 ح 1، و95/70 ح 78، و143/72 ح 8 و254 ح 37، ونور الثقلين: 90/5 ح 50، ووسائل الشيعة: 404/7 ح 9697، مثله، و400/21 ح 27407.

قطعة منه في (سورة الحجرات: 11/49). )


3 - محمّد بن يعقوب الكلينيّ ؛ :...اليسع بن حمزة، قال: كنت في مجلس أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) أُحدّثه...إذ دخل عليه رجل طوال آدم، فقال:... مصدري من الحجّ وقد افتقدت نفقتي...

فقال له: اجلس رحمك اللّه...فقام فدخل الحجرة وبقي ساعة، ثمّ خرج وردّ الباب وأخرج يده من أعلي الباب، وقال: أين الخراسانيّ؟

فقال: ها، أناذا.

فقال: خذ...فقال له سليمان: جعلت فداك، لقد أجزلت ورحمت، فلماذا سترت وجهك عنه؟

فقال: مخافة أن أري ذلّ السؤال في وجهه لقضائي حاجته...أما سمعت قول الأوّل:

متي آته يوماً لأطلب حاجة

رجعت إلي أهلي ووجهي بمائه. ( الكافي: 23/4 ح 3.

تقدّم الحديث بتمامه في ف 3 رقم 706. )




الثاني - إنشاده ( عليه السلام ) أشعار مروان بن أبي حفصة:

1 - الشيخ الصدوق ؛ : حدّثنا عليّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقّاق ( رضي الله عنه ) قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبد اللّه الكوفيّ، عن سهل بن زياد الآدميّ، عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسنيّ، عن عبد السلام بن صالح الهرويّ قال: حدّثني معمّر بن خلّاد وجماعة قالوا: دخلنا علي الرضا ( عليه السلام ) فقال له بعضنا: جعلنا اللّه فداك! ما لي أراك متغيّر الوجه؟

فقال ( عليه السلام ) : إنّي بقيت ليلتي ساهراً متفكّراً في قول مروان بن أبي حفصة:

أنّي يكون وليس ذاك بكائن

لبني البنات وراثة الأعمام.

ثمّ نمت، فإذا أنا بقائل قد أخذ بعضادة الباب، وهو يقول:

أنّي يكون وليس ذاك بكائن

للمشركين دعائم الإسلام

لبني البنات نصيبهم من جدّهم

والعمّ متروك بغير سهام

ما للطليق وللتراث وإنّما

سجد الطليق مخافة الصمصام

قد كان أخبرك القرآن بفضله

فمضي القضاء به من الحكّام

إنّ ابن فاطمة المنوّه باسمه

حاز الوراثة عن بني الأعمام

وبقي ابن نثلة واقفاً متردّداً

يبكي ويسعده ذووا الأرحام.

( قال المجلسيّ: المراد بالطليق العبّاس، حيث أُسر يوم بدر، فأُطلق بالفداء، والصمصام: السيف الصارم الذي لاينثني، والضمير في قوله «بفضله» راجع إلي أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، بمعونة المقام وقرينة ماسيذكره بعده، إذ هو المراد بابن فاطمة، والمراد بابن نثلة العبّاس، فإنّ اسم أُمّه كانت نثلة، والمراد بقضاء الحكّام ماقضي به أبوبكر بينهما كما هو المشهور. )

( عيون أخبار الرضاعليه السلام : 175/2 ح 2. عنه البحار: 109/49 ح 3.

الصراط المستقيم: 67/1 س 21، قطعة منه. )




الثالث - إنشاده ( عليه السلام ) قصيدة سيّد الحميريّ:

1 - العلّامة المجلسيّ ؛ : وجدت في بعض تأليفات أصحابنا أنّه روي بإسناده عن سهل بن ذبيان قال: دخلت علي الإمام عليّ بن موسي الرضا ( عليهماالسلام ) في بعض الأيّام، قبل أن يدخل عليه أحد من الناس، فقال لي: مرحباً بك يا ابن ذبيان! الساعة أراد رسولنا أن يأتيك لتحضر عندنا.

فقلت: لماذا يا ابن رسول اللّه؟

فقال ( عليه السلام ) : لمنام رأيته البارحة، و قد أزعجني وأرقّني، فقلت: خيراً يكون إن شاء اللّه تعالي.

فقال ( عليه السلام ) : يا ابن ذبيان! رأيت كأنّي قد نصب لي سلّم فيه مائة مرقاة، فصعدت إلي أعلاه.

فقلت: يا مولاي! أُهنّيك بطول العمر، وربّما تعيش مائة سنة لكلّ مرقاة سنة.

فقال لي ( عليه السلام ) : ما شاء اللّه كان، ثمّ قال: يا ابن ذبيان! فلمّا صعدت إلي أعلي السلّم رأيت كأنّي دخلت في قبّة خضراء يُري ظاهرها من باطنها، ورأيت جدّي رسول اللّه ( صلي الله عليه وآله وسلم ) جالساً فيها، وإلي يمينه وشماله غلامان حسنان، يُشرق النور من وجوههما، ورأيت امرأة بهيّة الخلقة، ورأيت بين يديه شخصاً بهيّ الخلقة جالساً عنده، ورأيت رجلاً واقفاً بين يديه وهو يقرأ هذه القصيدة:

«لأُمّ عمرو باللوي مربع».

فلمّا رآني النبيّ ( صلي الله عليه وآله وسلم ) قال لي: مرحباً بك، يا ولدي! يا عليّ بن موسي الرضا! سلّم علي أبيك عليّ، فسلّمت عليه، ثمّ قال لي: سلّم علي أُمّك فاطمة الزهراء، فسلّمت عليها، فقال لي: وسلّم علي أبويك الحسن والحسين، فسلّمت عليهما.

ثمّ قال لي: وسلّم علي شاعرنا ومادحنا في دار الدنيا السيّد إسماعيل الحميريّ، فسلّمت عليه وجلست، فالتفت النبيّ إلي السيّد إسماعيل فقال له: عد إليّ ما كنّا فيه من إنشاد القصيدة، فأنشد يقول:

«لأُمّ عمرو باللوي مربع

طامسة أعلامه بلقع»

فبكي النبيّ ( صلي الله عليه وآله وسلم ) فلمّا بلغ إلي قوله:

«ووجهه كالشمس إذ تطلع»

بكي النبيّ ( صلي الله عليه وآله وسلم ) وفاطمة ( عليها السلام ) معه ومن معه، ولمّا بلغ إلي قوله:

«قالوا له لو شئت أعلمتنا

إلي من الغاية والمفزع»

رفع النبيّ ( صلي الله عليه وآله وسلم ) يديه وقال: إلهي أنت الشاهد عليَّ وعليهم، أنّي أعلمتهم أنّ الغاية والمفزع عليّ بن أبي طالب، وأشار بيده إليه، وهو جالس بين يديه صلوات اللّه عليه.

قال عليّ بن موسي الرضا ( عليهماالسلام ) : فلما فرغ السيّد إسماعيل الحميريّ من إنشاد القصيدة التفت النبيّ ( صلي الله عليه وآله وسلم ) إليّ وقال لي: يا عليّ بن موسي! احفظ هذه القصيدة، ومر شيعتنا بحفظها، وأعلمهم أنّ من حفظها، وأدمن قراءتها، ضمنت له الجنّة علي اللّه تعالي.

قال الرضا ( عليه السلام ) : ولم يزل يكرّرها عليَّ حتّي حفظتها منه، والقصيدة هذه:

لأُمّ عمرو باللوي مربع

طامسة أعلامه بلقع

تروح عنه الطير وحشيّة

والأُسد من خيفته تفزع

برسم دار ما بها مونس

إلّا صلال في الثري وقّع

رقش يخاف الموت نفثاتها

والسم في أنيابها منقع

لمّا وقفن العيس في رسمها

والعين من عرفانه تدمع

ذكرت مَن قد كنت ألهو به

فبتّ والقلب شج موجع

كأنّ بالنار لما شفّني

من حبّ أروي كبدي تلذع

عجبت من قوم أتوا أحمداً

بخطّة ليس لها موضع

قالوا له: لو شئت أعلمتنا

إلي من الغاية والمفزع

إذا تُوفّيت وفارقتنا

وفيهم في الملك من يطمع

فقال: لو أعلمتكم مفزعاً

كنتم عسيتم فيه أن تصنعوا

صنيع أهل العجل إذ فارقوا

هارون فالترك له أودع

وفي الذي قال: بيان لمن

كان إذا يعقل أو يسمع

ثمّ أتته بعد ذا عزمة

من ربّه ليس لها مدفع

أبلغ وإلّا لم تكن مُبلغاً

واللّه منهم عاصم يمنع

فعندها قام النبيّ الذي

كان بما يأمره يصدع

يخطب مأموراً وفي كفّه

كفّ عليّ ظاهراً تلمع

رافعها أكرم بكفّ الذي

يرفع والكفّ الذي يُرفع

يقول والأملاك من حوله

واللّه فيهم شاهد يسمع

من كنت مولاه فهذا له

مولي فلم يرضوا ولم يقنعوا

فاتّهموه وحَنَت منهم

علي خلاف الصادق الأضلع

وضلّ قوم غاظهم فعله

كأنّما آنافهم تُجدع

حتّي إذا واروه في قبره

وانصرفوا عن دفنه ضيّعوا

ما قال بالأمس وأوصي به

واشتروا الضُرّ بما ينفع

وقطّعوا أرحامه بعده

فسوف يجزون بما قطّعوا

وأزمعوا غدراً بمولاهم

تبّاً لما كان به أزمعوا

لاهم عليه يردوا حوضه

غداً ولا هو فيهم يشفع

حوض له ما بين صنعا إلي

أيلة والعرض به أوسع

يُنصب فيه علم للهدي

والحوض من ماء له مترع

يفيض من رحمته كوثر

أبيض كالفضّة أو أنصع

حصاه ياقوت ومرجانة

ولؤلؤ لم تجنه إصبع

بطحاؤه مسك وحافاته

يهتزّ منها مونق مربع

أخضر ما دون الوري ناضر

وفاقع أصفر أو أنصع

فيه أباريق وقد حانه

يذبّ عنها الرجل الأصلع

يذبّ عنها ابن أبي طالب

ذبّاً كجربا إبل شرّع

والعطر والريحان أنواعه

زاك وقد هبّت به زعزع

ريح من الجنّة مأمورة

ذا هبة ليس لها مرجع

إذا دنوا منه لكي يشربوا

قيل لهم: تبّاً لكم فارجعوا

دونكم فالتمسوا منهلا

يرويكم أو مطعماً يشبع

هذا لمن والي بني أحمد

ولم يكن غيرهم يتبع

فالفوز للشارب من حوضه

والويل والذلّ لمن يُمنع

والناس يوم الحشر راياتهم

خمس فمنها هالك أربع

فراية العجل وفرعونها

وسامريّ الأمّة المشنع

وراية يقدمها أدلم

عبد لئيم لكع أكوع

وراية يقدمها حبتر

للزور والبهتان قد أبدعوا

وراية يقدمها نعثل

لا برّد اللّه له مضجع

أربعة في سقر أودعوا

ليس لها من قعرها مطلع

وراية يقدمها حيدر

ووجهه كالشمس إذ تطلع

غداً يلاقي المصطفي حيدر

وراية الحمد له ترفع

مولي له الجنّة مأمورة

والنار من إجلاله تفزع

إمام صدق وله شيعة

يرووا من الحوض ولم يُمنعوا

بذاك جاء الوحي من ربّنا

يا شيعة الحقّ فلا تجزعوا

الحميري مادحكم لم يزل

ولو يقطّع إصبع إصبع

وبعدها صلّوا علي المصطفي

وصنوه حيدرة الأصلع.

( بحار الأنوار: 328/47 س 5. عنه مستدرك الوسائل: 392/10 ح 12245، قطعة منه.

المنتخب للطريحي: 315 س 16.

قطعة منه في (ما رواه عن رسول اللّه صلي الله وعليه وآله وسلم ). )




الرابع - تمثّله ( عليه السلام ) بالشعر:

1 - الشيخ الصدوق ؛ : حدّثنا الحاكم أبو عليّ الحسين بن أحمد البيهقيّ قال: حدّثني محمّد بن يحيي الصوليّ قال: حدّثنا أبو ذكوان قال: حدّثنا إبراهيم بن العبّاس قال: كان الرضا ( عليه السلام ) ينشد كثيراً:

إذا كنت في خير فلا تغترر به

ولكن قل اللّهمّ سلّم وتمّم.

( عيون أخبار الرضاعليه السلام : 178/2 ح 9. عنه البحار: 111/49 ح 9، و46/68 ح 52.

إعلام الوري: 69/2 س 6.

كشف الغمّة: 328/2 س 23، مرسلاً عن إبراهيم بن العبّاس. )


2 - ابن شهرآشوب ؛ : في كتاب الشعر: إنّه (أي الرضا) ( عليه السلام ) كان يتمثّل:

تضي ء كضوء السراج السل'

يط لم يجعل اللّه فيه نحاساً.

( المناقب: 338/4 س 7. )

3 - ابن شهرآشوب ؛ : الحسين بن بشّار، قال الرضا ( عليه السلام ) : إنّ عبداللّه يقتل محمّداً.

قلت: عبد اللّه بن هارون يقتل محمّد بن هارون!

قال: نعم...، وكان ( عليه السلام ) يتمثّل:

وإنّ الضغن بعد الضغن يفشو

عليك ويخرج الداء الدفينا

( المناقب لابن شهرآشوب: 335/4 س 5.

تقدّم الحديث بتمامه في ج 1 رقم 438. )


4 - الصفديّ: آل أمره [ أي الرضا ( عليه السلام ) ] مع المأمون إلي أن سمّه في رمّانة علي ما قيل، مداراة لبني العبّاس، فلمّا أكلها، وأحسّ بالموت، وعلم من أين أُتي، أنشد متمثّلاً [من الطويل ]:

فليت كفافاً كان شرّك كلّه

وخيرك عنّي ما ارتوي الماء مرتوي....

( الوافي بالوفيات: 251/22 س 8.

تقدّم الحديث بتمامه في ج 1 رقم 179. )